عادي

السودان.. الحرب تدخل سنتها الثانية

23:29 مساء
قراءة 4 دقائق
صورة متداولة للانفجار العنيف وسط الخرطوم يوم أمس

د. أميرة محمد عبد الحليم*

مع اقتراب الصراع في السودان من إتمام عام كامل، من المواجهات المسلحة والدمار، لم تهدأ الاشتباكات بين طرفي الصراع خلال الأيام الأخيرة، بل تصاعدت على وقع إحراز الجيش لبعض التقدم، مع انطلاق تصريحات تتناول تصورات حول مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، وظهور تقارير حقوقية تشير إلى ما يتعرض له المدنيون من قتل، وتحذيرات أممية ودولية من تداعيات استمرار الصراع على الفئات الضعيفة، وأهمها الأطفال.

دارت معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدن العاصمة، بخاصة حول محيط سلاح الإشارة، حيث تحاول «الدعم السريع» السيطرة على المقر المقابل لمقر القيادة العامة للجيش على الضفة الأخرى لنهر النيل الأزرق، حيث تصاعدت الاشتباكات في أعقاب تمكّن الجيش من استعادة هيئة الإذاعة والتلفزيون من الدعم السريع، كما شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مواجهات بين طرفي الحرب استخدمت خلالها كل أنواع الأسلحة، وأعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان– شمال، بقيادة عبدالعزيز الحلو مقتل 11 طالباً، واثنين من المدرّسين، وإصابة 45 آخرين، جراء القصف الجوي الذي شنه الطيران الحربي التابع للجيش، على جنوب كردفان، وإصابة مدرستهم التي تقع في جبال النوبة، في الوقت الذي لا تزال الاتصالات مقطوعة في عدد من المناطق، ما تسبب بتوقف التطبيقات البنكية التي يعتمد عليها المواطنون في تدفق الأموال، حيث تتفاقم معاناة المواطنين مع حلول شهر رمضان.

  • مرحلة ما بعد الحرب

وكانت قيادة قوات الدعم السريع قد أصدرت بياناً في 14 مارس/ آذار الجاري أكدت خلاله استعدادها للوصول لأي تفاهمات تمكن من إنقاذ حياة المواطنين، وأنها أصدرت توجيهات لعناصرها بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية في كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها، تطبيقاً للالتزامات المتفق عليها في إعلان جدة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وفي كلمة مصورة بثها التلفزيون السوداني في 16 مارس/ آذار أعلن عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش، الفريق ياسر العطا، أن الجيش لن يسلم السلطة لقوى سياسية، أو مدنية، أو أحزاب، من دون انتخابات، وأكد ضرورة وجود فترة انتقالية يكون القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان خلالها على رأس الدولة، ومشرفاً عليها، كما دعا للحفاظ على يطلق عليه «المقاومة الشعبية»، أو المواطنين الداعمين للجيش.

على الجانب الآخر، وعلى وقع التحركات والتصريحات المتلاحقة خلال الأيام الأخيرة، برزت خلافات بين القوى السياسية والأحزاب، حيث تصاعد جدل كبير بين هذه القوى حول قدرة كل منها على المشاركة في الحياة السياسية، ومدى تمثيلها لمصالح الشعب السوداني، وكذلك ارتباطات هذه القوى الخارجية.

وفي تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» يوم 18 مارس/ آذار الجاري، دعت خلاله سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات سريعة لوقف الحرب في السودان لضمان تدفق المساعدات، وحماية المدنيين، وتحقيق العدالة لضحايا الحرب، وحثت المجلس على النظر في الأدوات المتاحة، بما فيها نقل المساعدات من تشاد وجنوب السودان، وأنه ينبغي أن تعيّن الأمم المتحدة مسؤولاً إنسانياً خارج السودان للإشراف على وصول المساعدات، وتناولت الإجراءات التي تبنتها واشنطن لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ورفضها للإفلات من العقاب.

كما أكدت السفيرة أن إدارة بايدن تعمل على توحيد أطراف الصراع حول هدف مشترك هو منع تفكيك السودان، لما لهذا الوضع من مخاطر على الاستقرار في كل إنحاء منطقة القرن الإفريقي.

  • تداعيات الأزمة الإنسانية

وجددت الأمم المتحدة في الأيام الأخيرة تحذيرها من الخطر المحدق بأطفال السودان نتيجة الحرب، حيث قالت ممثلة «اليونيسيف» في السودان، مانديب أوبراين، مؤخراً «لم يتبق سوى بصيص من الأمل للحيلولة دون خسارة جماعية لحياة ومستقبل الأطفال في البلاد، حيث يحتاج 14 مليون طفل للمساعدات الإنسانية، فيما أصبح أربعة ملايين طفل مشردين».

كما وثقت «هيئة محامي الطوارئ» تقريراً حقوقياً أكدت خلاله مقتل 248، وجرح 347 مدنياً، في ولاية الجزيرة جراء هجمات الدعم السريع، وغارات جوية لطيران الجيش، بما يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، كما شهدت الولاية حملة اعتقالات على أسس عرقية شنتها الاستخبارات العسكرية، حيث ينتمي العدد الكبير من المعتقلين إلى إقليمي دارفور، وكردفان، فضلاً عن انتشار الاختفاء القسري مع سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة، وتحويلها سجن ود مدني إلى مركز احتجاز، كما برزت حالات من طلب الفدية مقابل إطلاق سراح الشباب.

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، في السودان، فقد فر ما لا يقل عن 250 ألف شخص مؤخراً، من ولاية الجزيرة، وعاصمتها ود مدني، حيث علقت المنظمة الدولية عملها في الولاية التي كانت تمثل ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين من العاصمة، وكذلك مركزاً لمخيمات اللاجئين من الدول المجاورة للسودان.

وأخيراً، وعلى الرغم من أن تزايد التحركات، والتصريحات، والجهود لإنهاء الحرب، والتفكير في مرحلة ما بعدها، إلا أن المسار الذي سيتخذه الفرقاء في السودان للحوار، أو لوضع ترتيبات لإنهاء الصراع ووقف الحرب، وكذلك أجندة للعملية السياسية والحكم في السودان عقب الحرب، غير محدد حتى الآن، حيث تعمل القوى الإقليمية على دفع الحوار بين قائدَي الحرب، لكن لم تصل هذه الجهود إلى مرحلة يتم الإعلان خلالها عن مسار للتفاوض بين الجانبين، تحت رعاية دول، أو منظمة إقليمية، في الوقت الذي يبدو أن الانشغال الأمريكي بقضايا أخرى، منها العدوان على غزة، يجعل التحركات الأمريكية غير مؤثرة في المشهد الصراعي في السودان، برغم تزايد التصريحات، والتحركات الأمريكية المتعلقة بالأزمة السودانية، في الأيام الأخيرة، إلا أن الأمل يظل معقوداً على القوى السياسية المدنية في الوصول إلى تفاهمات فيما بينها، وتجاوز الخلافات في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان، لإقناع طرفي الصراع بالوصول إلى تفاهمات، لعل السودان وشعبه، يستردان الأمن والاستقرار مرة أخرى.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yfhvm8ku

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"