عادي

في بحر الصين الجنوبي.. توترات لا تهدأ بين مانيلا وبكين

19:53 مساء
قراءة 5 دقائق
«الخليج» - وكالات
في بحر الصين الجنوبي تكاد التوترات بين مانيلا وبكين لا تهدأ أبداً، بعد يومين من حادث جديد تعرّضت له سفن صينية وفلبينية، أعلنت الفلبين الاثنين، استدعاء دبلوماسي في السفارة الصينية بسبب الهجوم الذي شنه خفر السواحل الصيني بمدافع المياه والذي أدى إلى إصابة أفراد طاقم البحرية الفلبينية وإلحاق أضرار بقاربهم في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
وأعربت عن احتجاجاتها القوية على الأعمال العدائية التي قام بها خفر السواحل والقوات البحرية الصينية السبت، ضد سفينة إمداد فلبينية قبالة ساحل جزيرة سكند توماس المرجانية المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
وتقع هذه الجزيرة على بعد 200 كيلومتر عن جزيرة بالاوان غربي الفلبين وأكثر من ألف كيلومتر عن جزيرة هاينان، وهي أقرب الأراضي الصينية.
وقالت الفلبين إن خفر السواحل الصيني اعترض سفينة إمداد وألحق أضراراً فيها باستخدام خراطيم المياه، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود.
من جهته، وصف خفر السواحل الصيني مناوراته بأنها «ضبط واعتراض وطرد مشروع» لسفينة أجنبية «حاولت الدخول بالقوة» إلى المياه الصينية.
وقالت السفارة الصينية في مانيلا الاثنين إنها أرسلت احتجاجاً «رسمياً» إلى الفلبين بعد هذا الاشتباك.
وقالت السفارة في بيان: «في 23 آذار/مارس، انتهكت الفلبين التزاماتها الخاصة، وتجاهلت معارضة الصين القوية وتحذيراتها المسبقة، وأصرّت على إرسال سفينة إمداد وسفينتين تابعتين لخفر السواحل للدخول بشكل تعسّفي إلى المياه القريبة من شعاب رينآي المرجانية في جزر نانشا الصينية»، مستخدمة الاسم الصيني لجزيرة سكند توماس، وأكدت السفارة أن هذا التحرّك هو «تدخّل غير قانوني».
من جهتها، أعلنت مانيلا أنها قدمت احتجاجاً مماثلاً إلى وزارة الخارجية الصينية، وقالت إن «الصين ليس لها الحق في التواجد في جزيرة أيونجين المرجانية» مستخدمة الاسم الفلبيني لسكند توماس.
وأضافت: «تطالب الفلبين السفن الصينية بمغادرة المنطقة المجاورة لجزيرة أيونجين والمنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين على الفور».
في الأشهر الأخيرة، استخدمت السفن الصينية خراطيم المياه كما اصطدمت بسفن فلبينية بالقرب من هذه الجزيرة المرجانية.
- فتور في العلاقات الدبلوماسية -
تطالب بكين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، بما في ذلك المياه والجزر القريبة من سواحل العديد من الدول المجاورة، متجاهلة بذلك مطالب دول أخرى وحكماً دولياً بأن ما تطمح إليه ليس له أساس قانوني.
ونددت الولايات المتحدة، التي ترتبط باتفاقية دفاع مشترك مع مانيلا، بالهجوم الصيني الذي جاء بعد أيام من إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن واشنطن تواصل العمل بالتزاماتها «الصارمة» بالدفاع عن حليفتها الفلبين في مواجهة أي هجوم مسلّح في بحر الصين الجنوبي.
من جهته، تحدّى وزير الدفاع الفلبين جيلبرت تيودورو بكين الإثنين، بأن تقوم بطلب إجراء تحكيم في الموضوع، معتبراً أنه «أفضل وسيلة لحلّ نزاع قانوني بشكل دائم». وقال للصحفيين: «لهذا السبب لا يفضّلون» هذا الخيار.
وشهدت العلاقات بين مانيلا وبكين فتوراً خلال عهد الرئيس فرديناند ماركوس الذي يسعى إلى تعميق التعاون مع الولايات المتحدة والجيران الإقليميين، بينما يتصدّى للعدوان الصيني على السفن الفلبينية.
واتفق المسؤولون الصينيون والفلبينيون في كانون الثاني/يناير على الحاجة إلى حوار أوثق للتعامل مع «حالات الطوارئ البحرية» في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك جزيرة سكند توماس. غير أن الحوادث تتواصل بين الجانبين في وقت تتصاعد التوترات في هذا الإطار.
طبيعة النزاع
بدأت الأزمة منذ عام 1933 حينما ضمت فرنسا رسمياً جزر باراسيل وسبراتلي إلى الهند الصينية الفرنسية، وسط احتجاج كبير من الصين واليابان، وفي عام 1947، أعلنت الصين أن غالبية الجزر تقع ضمن حدود سيادتها، ولذلك حينما بدأت الفلبين في استكشاف المناطق الواقعة غربي بالاوان بحثاً عن النفط في عام 1970، اعترضت الصين وأوقفت عمليات الاستكشاف، لكن الفلبين لم تتوقف واكتشفت في عام 1984 حقل نفط قبالة بالاوان وبدأت الاستثمار فيه.
وفي محاولة لحل النزاع اتفقت الصين مع بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام في 20 يوليو 2011 على مجموعة من المبادئ عرفت بإعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي. لكن بكين لم تغير من سلوكها، وبدأت في عام 2013 ببناء جزر صناعية حول سبراتلي ومنطقة جزر باراسيل. وفي عام 2016 أقامت منشآت عسكرية على إحدى جزرها الاصطناعية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المنطقة عانت القراصنة الإندونيسيين، فقررت الفلبين بناء أسطول بحري يمكنه، حسب تصريح «تيودورو لوكسين جونيور» وزير خارجيتها السابق، اجتياح بحر الصين الجنوبي وتأمينه، وهددت بأنه إذا تعرضت سفنها لمضايقات، فإنها ستقوم بتفعيل معاهدة الدفاع مع واشنطن.
ومع وصول النزاع إلى ذروته في عام 2013، رفعت الفلبين الأمر إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي للطعن في مطالبات الصين الإقليمية.
وأصدرت المحكمة حكمها في عام 2016 وانحازت إلى جانب الفلبين، قائلة بأن مطالبات الصين الإقليمية بخط النقاط التسعة لم تكن مدعومة قانوناً، فقد انتهكت الصين أراضي الفلبين، كما انتهكت الأنشطة الصينية في المنطقة المتنازع عليها القانون البيئي الدولي، لكن الصين رفضت الحكم ولم تعترف به، ويعتبر هذا الحكم هو المصدر القانوني الرئيسي الذي تستخدمه الفلبين للتأكيد على أن المنطقة القريبة من سكاربورو شول هي جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين.
وتعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المصدر الثاني الذي تستخدمه الفلبين لتأكيد حقها، حيث تنص على أن «لكل دولة الحق في تحديد عرض بحرها الإقليمي بحد لا يتجاوز 12 ميلاً بحرياً»، وترى الفلبين أن على الصين الاستسلام، وذلك بموجب إعلان بكين لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 2002، الذي يلزم الموقعين بالحلول السلمية للنزاعات الإقليمية وحرية المرور داخل بحر الصين الجنوبي.
واشنطن طرف أساسي في الأزمة
شهد عام 2023 زيادة التوترات بين الصين والفلبين، حيث قامت الفلبين في سبتمبر بإزالة حاجز صيني عائم بالقرب من منطقة سكاربورو شول، وفي المقابل ضايق خفر السواحل الصيني الصيادين الفلبينيين.
وفي نوفمبر الماضي، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الفلبيني بونغ بونغ ماركوس في سان فرانسيسكو، وأبديا استعدادهما للحل. ولكن بعد أيام أجرت الولايات المتحدة والفلبين مناورات عسكرية في المنطقة المتنازع عليها، ما أثار مخاوف بكين من تدخل أمريكي محتمل.
ويرى دين تشينج الباحث في معهد الولايات المتحدة للسلام، أن الصين تمتنع عن استخدام سفن البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي، خوفاً من التصعيد والتدخل الأمريكي المحتمل، لأن المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين لعام 1951 تمتد إلى الهجمات المسلحة على جيش الفلبين أو سفنها التجارية في أي مكان داخل بحر الصين الجنوبي (USIP: 14 Dec. 2023).
وبالنسبة لواشنطن، فقد كانت ذروة تدخلها نيابة عن الفلبين في بحر الصين الجنوبي في عامي 2015 و2022 عندما قامت بإجراء عمليات حرية الملاحة في المنطقة، ومن المعروف أن التحالف مع الفلبين يتمثل في وجود قواعد أمريكية على أراضي الفلبين، وإجراء المناورات العسكرية المشتركة في بحر الصين الجنوبي، وكان آخرها في نوفمبر 2023. وقد عبرت وزارة الخارجية الأمريكية كثيراً عن دعمها للفلبين، مع التأكيد على أن أي هجوم مسلح ضدها في أي مكان من شأنه أن يؤدي إلى تنفيذ المعاهدة. لكن هذه الرسالة لم تؤد إلى تراجع الصين عن موقفها، لكنها جعلتها تراقب تصرفات واشنطن على مستوى العالم، خاصة بعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. ففي نهاية المطاف، إذا أظهرت واشنطن ضعفاً أمام قوة متمردة في اليمن، فهل ستقف في وجه دولة تمتلك أكبر قوة بحرية دولية؟
على أية حال، لا نعتقد بأن واشنطن ستختار التصعيد العسكري في أي حال من الأحوال، وربما تقدم فقط دعماً ملموساً للموقف الفلبيني، عن طريق إرسال واحدة أو أكثر من سفن خفر السواحل الأميركية للعمل مع السفن الفلبينية، أو ربما تكتفي بتوجيه الرسائل، مما يجبر بكين على التفكير بعناية فيما إذا كانت تريد المخاطرة بالتفاعل بعداء مع سفينة حكومية أمريكية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3xjmbmr8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"