شعراء يعملون عند شعراء

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مرّ على صدور الطبعة الأولى لكتاب «ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر» نصف قرن من الزمان وثلاثة أعوام، وكان الناقد والمترجم والقاصّ د. عبد الغفار مكاوي قد وضع كتابه هذا في عام 1970، وعلى مدار سنواتٍ طُبع أكثر من مرّة في مصر (670 صفحة من القطع الكبير)، والكتاب في جزئه الأول حتى الصفحة 300 يقرأ على أنه من العيار النقدي الثقيل، وبعد مرور 53 عاماً على صدور الكتاب، هناك الكثير الكثير مما يمكن مناقشة د. مكاوي بشأنه.. هذا الرجل النبيل الذي رحل في عام 2012 عن 82 عاماً، وترك وراءه أكثر من 50 كتاباً في الترجمة، والمراجعات، والدراسات الفلسفية والأدبية والقصة والمسرح، لم يكن نصيبه من الجوائز سوى جائزة أدبية واحدة (جائزة الدولة المصرية التقديرية)، فاز بها في عام 2003، ولا شيء غيرها في سجلّه التكريمي.

المهم، تركت العيار الثقيل في هذا الكتاب المرجعي، وتوقفت عند حَيَوات ومصائر ووجوديات بعض الشعراء الذين نقلهم د. مكاوي إلى العربية.. والكثير منهم خدم في جيش بلاده وشارك في الحرب العالمية الأولى، وبعضهم شارك في الحرب ممرضاً، والكثير من هؤلاء الشعراء درسوا الطب في سنواتهم الجامعية الأولى ثم تركوه، وتحوّلوا إلى الشعر..غريبة، بل مدهشة تلك الحياة التي عاشها كبار شعراء أوروبا في قرن الحروب والعلوم والفنون ذاك، خذ مثلاً، الشاعر الألماني ريلكه كان سكرتيراً عند النحّات الفرنسي رودان، أما الشاعر هورست بينيك، فقد اشتغل فترة قصيرة من حياته مساعداً للشاعر والمسرحي برتولت بريخت في مسرحه في برلين الشرقية، وهنا، يلفتك ما قاله د. مكاوي من أن بريخت لا يتورع عن السرقة الأدبية في بعض الأحيان.. أما الشاعر غيوم ابولينير، فهو ابن غير شرعي.

كان أبو الشاعر سان جون بيرس يملك جزيرة بأكملها كما يقول د. مكاوي، هي جزيرة «سان ليجر لوفيي» وقد عاش فيها بيرس، في حين قام الشاعر باول تسيلان بإغراق نفسه في نهر السين «يأساً من الحياة، ومن الحب..».

كان في ذلك الزمان مهنة رائعة يشتغل بها الشعراء وهي «الفحص الأدبي»، أو فحص الكتب، في دور النشر، وأحسب أنها الآن تطوّرت إلى مهنة المحرر الأدبي وربما الوكيل الأدبي، وفي كل الأحوال كانت تلك المهنة تدر بعض المال على الشعراء المعوزين في ذلك الوقت، وهم قلّة على كل حال.

الشاعر أريش كستنر شاهد حرق كتبه أمام عينيه على يد النظام النازي، ومن أغرب مجموعاته الشعرية تلك التي بعنوان «صيدلية البيت الشعرية» أصدرها عام 1935. أما هرمان هيسه، وقبل أن يحصل على «نوبل» للأدب في عام 1946، فقد كان يعمل بيّاعاً للكتب وفي صناعة الساعات والحرف اليدوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxybsh2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"