عادي
مدن تكتب التاريخ

ملقا.. جوهرة الأندلس المحصنة

16:43 مساء
قراءة 3 دقائق
جانب قصبة ملقا

الشارقة: عثمان حسن

مدينة ملقا أو (مالقة) الإسبانية، واحدة من أشهر المدن الأندلسية، التي لا تزال حاضرة في أذهان المسلمين إلى اليوم، كانت في يوم من الأيام حسناء الأندلس، نسبة إلى جمالها وروعة منظرها، وهي مدينة قديمة، بنيت من قبل الفينيقيين قبل نحو 2770 عاماً.

تقع مالقا على الساحل الجنوبي الشرقي للأندلس، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر عاصمة منطقة «كوستا ديل سولن» وتحيط بها عدة جبال، بالإضافة إلى وجود نهري «غوادالمدينا» و«غواداهورس» حواليها، وهي تبعد نحو 100 كم شرق مضيق جبل طارق، وتعد أهم ميناء إسباني بعد برشلونة.

ويذكر المؤرخون أن فتح المسلمين لمدينة ملقا كان من أيسر الفتوح في الأندلس، وقد فتحت مرتين، الأولى على يد القائد المسلم طارق بن زياد، سنة 92 هجرية، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ كان فتحاً هامشياً وقصيراً، أما الفتح الثاني فكان في سنة 94 هجرية، عندما أرسل موسى بن نصير ابنه عبد العزيز لاستكمال فتح شرق الأندلس.

لعبت ملقا - كغيرها من المدن الأندلسية تحت الحكم الإسلامي - دوراً تاريخياً في البناء السياسي والاقتصادي لدولة المسلمين في الأندلس، خاصة في عصر الطوائف والمرابطين، أما ذروة مجدها الحضاري فكانت في عصر الموحدين.

  • * ازدهار

كان لموقع المدينة على طرق المواصلات البحرية في منطقة حوض غرب البحر الأبيض المتوسط، أثره الكبير في الانتعاش والازدهار التجاري الذي تمتعت به، وكانت إحدى المحطات البحرية لشحن وتفريغ السفن، وكانت أسواقها عامرة بالتجار، لكثرة ما فيها من أنهار وجداول مائية.

قال عنها الحميري: «مدينة على شاطئ البحر، عليها سور صخري، والبحر في قبلتها، وهي حسنة عامرة آهلة، كثيرة الديار، فيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إليها، ويحمل إلى مصر والشام والعراق، وربما وصل إلى الهند، وهو من أحسن التين طيباً وعذوبة، ولها ربضان كبيران، (الربض هو ما حول المدينة من مساكن وقصور ومحلات)، وشرب أهلها من الآبار، ولها واد يجري في الشتاء، وبها مبانٍ فخمة، وحمامات حسنة، وأسواق جامعة كثيرة في الربض والمدينة»، وقال المقري: «ومالقة حيث الجو الصقيل والروض الذي يطيب به المقيل والراحة التي تمتزج بالأرواح كما قيل»، كما اشتهرت بصناعة الأواني الخزفية الجميلة، وبالمواد الإنشائية المعمارية، كحجر المرمر الذي كان يورد لمدن المتوسط.

  • * آثار

لعل أشهر ما تمتاز به ملقا، هو قلعتها الشهيرة التي تسمى «القصبة»، وهو اسم عربي يعني «الحصن»، وتقع على منحدر (جبل الفارو) في الخليج الصغير الذي يحيط بالمدينة، وتوجد بها آثار كثيرة تعود إلى بني حمود (هي أسرة من الأدارسة، نازعت الأمويين على خلافة المسلمين في الأندلس في فترة فتنة الأندلس)، شيد بنو حمود القصبة في بدايات القرن الحادي عشر، وتوصف بـ (أبدع القصبات في الأندلس)، فهي فائقة الجمال، وقد اعتُني ببنائها الذي شيد في الأصل على أساسات رومانية قديمة تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، فجدد الحموديون المدخل وبنوا الحصن كله، وقال عنها عالم الآثار والمهندس المعماري الإسباني ليوبولدو توريس بلباس (1888-1960م)، وهو أحد المهتمين بالعمارة الإسلامية في الأندلس: «إن القلعة عبارة عن نموذج أوّلي لطريقة بناء القلاع في عصر ملوك الطوائف، حيث تكون القلعة مبنية من سورين وراء بعض وساحة داخلية كبيرة، والتصميم الموازي لها يمكن مشاهدته فقط في قلعة الحصن في سوريا».

  • * أعلام

وارتبط اسم ملقا بكثير من الأعلام والمشاهير، ويقول ياقوت الحموي: «وقد نسب إليها جماعة من أهل العلم، منهم: عزيز بن محمد اللخمي المالقي وسليمان المعافري المالقي»، ومن أعلامها عالم النبات واللغة محمد بن سليمان النفزي المعروف بـ «ابن أخت غانم»، ومنهم كذلك الأمير المعروف بابن الأحمر ( 1198 - 1273) وهو الغالب بالله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر، من بني نصر أو بني الأحمر المنحدرة من قبيلة الخزرج القحطانية، مؤسس دولة بني نصر بالأندلس والسلالة الحاكمة فيها، وقد حكم مملكة غرناطة بين عامي (1238 - 1273)، ومن أعلامها أيضاً الأمير الأديب أبو الوليد إسماعيل بن يوسف، وكان أديباً ضليعاً، له كتاب عنوانه «نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان»، لمع في أواخر القرن الثامن، وتوفي سنة 1404 ميلادية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck24k82

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"