د.باسمة يونس
قال أحدهم: «إحدى السّمات الأساسية التي تجعل الأدب عظيماً هي أنه يجعلنا نضحك، أو نحزن، أو نبتهج، أو يتركنا بابتسامة ساخرة ونحن نهز رؤوسنا قائلين «ماذا يمكننا أن نفعل؟ هذه هي حقيقة الوضع».
والأدب الذي استطاع أن يصمد أمام اختبار الزمن، ولم يجعلنا نندم على قراءته يوماً، بل ونتطلع إلى إعادة قراءته، هو الذي تستمر موضوعاته وشخصياته في عكس معنى الحياة، والمشاعر، ويتعامل مع كل ما يتعلق بالإنسان وطموحاته وتوقعاته.
والقطعة الأدبية الخالدة هي التي تتعامل أفكارها وموضوعاتها مع صراعات دائمة في التجربة الإنسانية، أكثر من غيرها، وتتعامل شخصياتها مع حياة الإنسان، وكل ما له صِلة به، في الماضي البعيد، أو المستقبل، بحيث نستطيع من خلالها فهم حياة ووجهات نظر العالم، وعقليّات الأشخاص الذين لم نلتق بهم قط، وزيارة الأماكن التي لم نزُرها من قبل، والعيش في الأوقات التي لن نختبرها بشكل مباشر.
والكتب التي تعتبر كلاسيكية تعاملت مع أناس حقيقيين، ومشاكل حقيقية، ووصفت حالة الإنسان وصفاً مستخرجاً من واقعه، إلى درجة مكّنت القراء من الارتباط بالروايات والقصص، بل ودفعتهم، في بعض الأحيان، إلى محاولة استكشاف درجة القرابة، أو الصّلة بينهم وبين شخصياتها.
وتعاملت الأعمال العظيمة في الماضي مع الحقائق الأساسية للناس، لأن الكتّاب كانوا أكثر قدرة على تفحص جوانب الحياة عن كثب، واهتموا بوصف الحياة كما هي حقاً، وعملوا على كتابة التفاصيل، وشرح وتفسير ووصف كل ما يمكنهم وصفه، بينما استمد أسلوب الكتابة السائد اليوم خصائص السرعة والاختصار، بسبب الزخم المعلوماتي المتوفر في كل مكان.
إنها الكتب التي تذكّرنا بتلك الأشياء التي ظلت ثابتة طوال تاريخ البشرية، وميّزت إنسانيتنا، مثل الحب، والغيرة، والثروة، والفقر، والأسرة، والصراعات، والنجاحات، والإخفاقات، التي عاشها الإنسان في أوقات صعبة لم يكن قد وصل فيها إلى ما وصلنا إليه اليوم.
وعلى الرغم من أن مجتمعنا يتطور باستمرار، هناك مواضيع أبدية للنقاش مثل المعضلات الفلسفية، ومشكلات صراع الأجيال، وما إلى ذلك، ما يبقي تلك الأعمال عظيمة للأبد، وقادرة على تذكيرنا بأن الإنسان سيبقى إنساناً مهما حدث، وسيظل عالقاً في صراعات وأزمات وحروب قد ينجو منها، أو لا ينجو، لكنها الأمور الملحّة التي تغيّر سلوكه، وتفكيره، لكنها لا تغيّر معنى الحياة، ولا قد ما يفرحنا، أو يحزننا فيها.
