نتعرض في حياتنا لكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية. وقد يصيبنا القلق وهذا شعور عادي وشائع، والغريب أن هذا القلق لا يصيب إلا المجتهدين الذين يعملون بكل جهد ورقي وتقدم فيحاسبون على كل صغيرة وكبيرة، لأنهم يخشون الوقوع في الخطأ، فيشعرون بالقلق من كل الأمور حتى لو كانت بسيطة وتافهة دون أن يدروا أن بعض التفاهات قد تنغص وتصبح شيئاً كارثياً ومصيبة كبيرة إذا تفاقمت واتسعت. هناك حكمة قانونية مفيدة تقول: إن القانون لا يشغل نفسه بالتوافه، لذلك يجب أن لا تشغل نفسك بالتوافه، هذا إذا رغبت بالسلام والاطمئنان، والبعد عن القلق والخوف والتعاسة اليومية، وبمجرد أن تشغل نفسك بالتوافه ثق أنك تدمر نفسك وقد تدخل في خضم علاجات وأدوية ومهدئات وجلسات متنوعة وحبوب اكتئاب؛ ذلك أن الحياة المعاصرة والضغوط الحياتية المتنوعة باتت ملازمة ومرافقة تؤثر فينا مثل ضغوط العمل اليومية ومتطلبات الأسرة وزيادة الصرف ومحاولة البحث عن مورد ودخل للأسرة، وغيرها من المشاكل التي تدور بين أروقة المنزل والعمل والمكائد من الموظفين والزملاء والأصدقاء وربما أحياناً من بعض أفراد الأسرة والشكاوى الكثيرة ودوامة الحقد والحسد والأحاديث المملة التي تنتقل وتصيب البعض بالكآبة والقلق والخوف والحزن من تفاصيل قد تكون تافهة بل قد تؤثر في مفاصل حياتنا وصحتنا وتصيب البعض بضغط مستمر ينجم عنه قلق متواصل ومستمر، يصل إلى مخاوف من المستقبل ونظرة متشائمة مستمرة لا تنتهي. هناك قصة للكاتب هومر كروي مؤلف كتاب (كان عليهم أن يشاهدوا باريس)، هذا الرجل يخبرنا كيف كان يضيق من مولد الحرارة في شقته بنيويورك، فقد كان يزأر زئيراً متصلاً يعكر صفوه ويشتت أفكاره، وذات يوم خرج هومر مع أصدقائه إلى معسكر خلوي وهناك سمع صوت الأغصان الجافة وهي تحترق بالنار التي أشعلوها في المعسكر، فرأى أن هناك شبهاً كبيراً بينها وبين صوت مولد الحرارة في منزله غير أنه أحب صوت الأغصان وهي تحترق ولم يتبرم منها، فلماذا أحب هذا الصوت ولم يحب صوت مولد الحرارة في منزله رغم تشابه الصوتين؟ لذلك لم يلبث أن روض هومر نفسه، تأقلم إلى وضعه ونسي موضوع الصوت في شقته، رغم أن مولد الحرارة على بعد خطوات من مكتبه.
وهكذا إذا فكرت في الأمور التافهة والسطحية فسوف تقتلك وتدمر صحتك. إن الحياة أقصر من أن نقصرها، فلا تستسلم للقلق ولا تسمح للمشاكل مهما كان عمقها أن تجرك إليها تمثلاً بقول الفيلسوف بيركلير: هيا ننهض أيها الإخوة فقد طال جلوسنا فوق التوافه.