القاهرة: «الخليج»
«إنّ اسمي أيها السنيور هو«جابرييل جارثيا ماركيز» آسف أنا أيضاً لا أحب هذا الاسم، لأنّه عبارة عن خيط من أسماء عادية، لم أتمكن قط من الارتباط بها، ولدت في بلدة «أراكاتاكا» في كولومبيا، من مواليد برج الحوت، وزوجتي اسمها مارسيدس وهما - زوجتي وبلدتي – أهم شيئين حدثا لي في حياتي، لأنّني بسببهما تمكنت من استخدام الكتابة للنجاة، أو على الأقل، النجاة حتى الآن».
هل تصدق أنّ هناك كتباً أقل شعبية لصاحب «الجنرال في متاهته» و «حريف البطريرك»؟ الحقيقة أنّ هذا صحيح، وأنّ تلك الفقرة لم ترد في أي من رواياته المشهورة، أو في مجموعاته القصصية، ولا حتى في مذكراته، تجدها فقط في كتاب «صور ذاتية» (1974) ونشر في بوينوس آيرس بواسطة المصورتين «سارة فاثيو وأليشيا داميكو»، حيث جمعت المصورتان الصور الشخصية للمؤلفين، وكتب كل واحد منهم مقتطفاً من سيرته الذاتية، بعضهم اكتفى بصورته.
يقول «كونرادو زولواجا» في كتابه «ماركيز.. لن أموت أبداً.. حكايات كتبه» (صدر عن دار العربي للنشر والتوزيع بترجمة سمير محفوظ): إنّ أقوى دوافع ماركيز للقيام بأي شيء، هو أن يحبه أصدقاؤه أكثر، ومن أجل هذا الهدف وحده برع في أثناء طفولته في الرسم على حائط ورشة صائغ الفضة، ثم برع في الخدع السحرية في أيام نشأته الأولى، وفي مراهقته أصبح لاعب بيانو وأكورديون ماهراً، ثم بائع موسوعات وشاعراً وصانع أفلام وحكاءً للقصص ثم كاتباً لها.
في مارس 2001 نشرت دار نشر في كولومبيا كتاب «تاريخ رواية مئة عام من العزلة» بقلم أصغر إخوة ماركيز الذي جاهد في التحري والمتابعة لعدة أعوام، متتبعاً رحلة صعود وهبوط تطورات العمل في هذه الرواية، وبعد مرور 6 أشهر في 11 سبتمبر تم تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك، في هجوم مدمر بالطائرات، وفي 21 سبتمبر عرضت دار نشر الطبعات الأولى من أعمال ماركيز وخطاباته الشخصية، واشتملت المجموعة على 180 صفحة بها تعديلات وتصحيحات لرواية «مئة عام من العزلة»، أوراق توضح تطور كتابة الرواية.
لا يوجد نص أصلي للرواية، فقط خمس نسخ مكتوبة، أرسلت إلى إحدى دور نشر في بوينوس آيرس، هذه الأوراق تحتوي على 1026 تصحيحاً بيد الكاتب، كثير منها أخطاء في التأليف، والأخرى تعديلات في الأسلوب، في ذلك العام تم اختطاف وزيرة الثقافة الكولومبية، وبعد مرور ستة أيام عُثر على جثتها، ومع بداية 2002 كان هناك ترقب في العالم لظهور مذكرات ماركيز، وقد وصفها أحدهم بأنّها أهم كتاب سوف يصدر خلال هذا العقد، وقبل أن يطبع الكتاب توفيت والدة ماركيز.
يُشير الكتاب إلى ما يطلق عليه «متلازمة الصفحة الخالية» وهي واحدة من المشكلات التي يواجهها الكتاب، ويعالجها كل بطريقته الخاصة، إنّها عن كيفية الاستمرار كل يوم، وهي مشابهة، كما يقولون، لما يواجهه رماة كرة البيسبول، من ضرورة الحفاظ على أذرعهم دافئة دائماً، في «وليمة متنقلة» يقول هيمنجواي: إنّه يجب على الكاتب ألا يكتب كل شيء يخطر على باله كل يوم، وإنّه من الأفضل أن يترك بعض الأشياء معلقة في مخه، مثل الرواسب أو جذوة النار، مثل الفحم المشتعل تحت الرماد.
صعوبة
يقول: عندما بدأت كتابة رواية «سرد أحداث موت معلن» عام 1979 تأكدت من حقيقة أنّه عند التوقف بين كتاب وآخر، كنت ألاحظ أنّني أفقد عادة الكتابة، وأصبحت أواجه صعوبة كبيرة في الكتابة في كل مرة، أبدأ فيها مشروعاً جديداً، لذلك بدأت في الفترة بين أكتوبر 1980 حتى مارس 1984 في تدريب نفسي، عن طريق كتابة أعمدة صحفية، كنوع من الانضباط، كي أحافظ على لياقة ذراعي.
في الوقت نفسه أنهى أول رواية له بعد عام من العمل الشاق، وبعد ذلك لم يوفق في طباعتها، لأنّ الناشر رفض نشرها، وبتاريخ 30 مارس نشر مقالاً تحت عنوان «نقد ذاتي»: «أنت تعلم بالفعل أنّ الناشر لوسادا رفض روايتي «الأوراق الذابلة» أنا ليس لدي أدنى شك في معرفة من هو المعتوه فيما حدث، هل تظنني على هذا القدر من الغباء كي أكرس عاماً كاملاً، لكتابة هذه الرواية، وفي النهاية لا تنشر، لا يا صديقي، لا إنني كسول لدرجة تمنعني من أن أكون غبياً للغاية، سأنشر هذه الرواية ولو في الجرائد الشعبية، وستكون مقدمة الرواية عن لجنة التحرير ضيقة الأفق ومحدودة الفكر».
بعد مرور عامين من ظهور آخر عمل روائي له أعلن ماركيز في شهر فبراير 2006: «توقفت عن الكتابة» كان قد قال ذلك في مناسبات عديدة، ربما كانت المرة الأولى التي قالها لألبارو موتيس عام 1994 وهما معاً في المكسيك، ثم نشرت رواية «مئة عام من العزلة» بعدها بثلاث سنوات، قال الجملة نفسها عندما تولى بينوشيه الحكم في تشيلي بعد الانقلاب الذي قضى على حياة صديقيه «الليندي» و«نيرودا» وآلاف المواطنين.
في مقابلة أجريت معه أعلن قائلاً: «إنّ الطفولة هي المصدر الرئيسي لكل شيء أكتبه، والحنين إلى الماضي هو المادة الخام الأساسية لكل كتاباتي» بعدها أضاف: «لقد عشت على ذاكرتي طوال حياتي، إنّها حقيقة تشغلني كثيراً الآن، لأنّني بدأت ألاحظ أنّها تخونني، مثلاً لدي قائمة خاصة، أسجل بها الوجوه، وقائمة أخرى مختلفة، بها الأسماء، أحتفظ بها في رأسي، لكنني لم أعد قادراً على ربط هذا بذاك».