عادي
سيرته الذاتية منبع لتأملاته الفلسفية

6 نساء في رواية «ذكريات نائمة» لباتريك موديانو

23:51 مساء
قراءة 3 دقائق
باتريك موديانو - غلاف

القاهرة: «الخليج»
أصدرت دار صفصافة للنشر والتوزيع، رواية «ذكريات نائمة» للكاتب الفرنسي باتريك موديانو، الحاصل على نوبل للآداب، بترجمة لطفي السيد منصور، حيث يتتبع النص استحضار ستة لقاءات، وأحياناً لم شمل ست نساء، التقاهن الراوي عندما كان عمره بين 15 و22 عاماً، وكان طالباً، حيث يبدو أن الأماكن تُبعث من جديد، تصعد إلى سطح الذاكرة «مثل الغرقى عند منعطف شارع».

ست نساء وعناوينهن كما لو أن موديانو يحتاج إلى معالم ثابتة ليتمسك بها، كما لو أنهن لا يمكن أن يوجدن إلا من خلال كتابتهن في جغرافية باريسية محددة، يقال: إن موديانو يكتب رواية واحدة، لكن بتنويعات مختلفة، لكن لماذا يقال ذلك؟ هل لأنه ينطلق من الذاكرة على نحو شبه دائم؟ أم لأنه ينطلق من الذكريات والسيرة الذاتية؟ أم لأن باريس بزحامها وضجيجها، ووسائل مواصلاتها المتعددة والمختلفة هي مكان / بطل في أعماله؟

إنه ينتقي من دفاتر يومياته ومن سيرته الذاتية ما ينطلق من خلاله إلى تأملاته الفلسفية، وبالتالي بعد انتقائها وتفكيكها، يعيد تركيبها مرة أخرى عبر الكتابة، إذاً هي أدوات لا هدف، حيث ينظر موديانو إلى الواقع بوصفه حلماً، يمكننا إيقافه وتوجيهه في أي لحظة ب«ميكانيزمات» توجيه الحلم، كما في كتاب هيرفيه دو سان دُني «توجيه الأحلام» الذي أشار إليه مرات عدة في النص.

لكن ما هي «ميكانيزمات» إيقاف الواقع وتوجيهه؟ إنه الهروب الدائم، ذكرت كلمة الهروب ومشتقاتها والفرار أكثر من اثنتي عشرة مرة «ولقد جعلتني تلك النظرة أشعر بالخدر، كما هو الحال في تلك الأحلام التي تحاول فيها الهروب، لكنك مسمر في مكانك» وهنا - كما نرى - يربط بين الأحلام والهروب والواقع.

هذا يتوافق مع حلم متكرر: «لقد اعتقل بالفعل أشخاص مُعينون، ولم يتعرفوا عليّ، وأنا أعيش تحت تهديد الاعتقال أيضاً عندما يُكتشف أن لي صلاتٍ مع «المذنبين» لكن مذنبين بمَ؟» في العام الماضي، داخل ظرف كبير، بين جوازات سفر من الورق المقوى باللون الأزرق الداكن منتهية الصلاحية ونشرات من دار للأطفال ومن كلية في هوت - سافوا، حيث كنت مقيماً، عثرت على أوراق مكتوبة على الآلة الكاتبة. «يوضح الراوي»: في البداية، ترددت في إعادة قراءة هذه الصفحات القليلة من الورق المقوى المثبت بمشبك ورق صدئ، أردت التخلص منه على الفور، ولكن بدا لي الأمر مستحيلاً، مثل هذه النفايات المشعة التي لا فائدة من دفنها على عمق مئة متر تحت الأرض».

الطريقة الوحيدة لنزع فتيل هذا الملف الرقيق بشكل نهائي هي، «نسخ مقتطفات منه ومزجها» بصفحات رواية كما فعل الراوي قبل 30 عاماً، وبالتالي لن نعرف هل تنتمي إلى الواقع أم إلى عالم الأحلام، يقول: «اليوم، 10 مارس 2017، فتحت الملف الأخضر الشاحب مرة أخرى، وأزلت مشبك الورق الذي ترك بقعة صدأ على الورقة الأولى، وقبل أن أمزق الملف بأكمله، دون أن أترك أي أثر مادي، سأنسخ بعض الجمل، وستكون نهايته».

يقول موديانو: «لم أسعَ قط، مثل الكثير من الأشخاص في عمري، إلى مقابلة العقول الأربعة أو الخمسة التي كانت تحكم منصات الجامعة في ذلك الوقت، وأن أصبح تلميذاً لأحدهم، لماذا؟ بوصفي طالباً شبحاً، كان من الطبيعي بالنسبة إليَّ أن ألجأ إلى مرشد، لأنني كنت أعاني شعوراً بالوحدة والارتباك». إنها الوحدة التي يتعرف بها الإنسان إلى نفسه كما كان يرى نيتشه.

تتوحد الأزمنة الثلاثة، ويعتبر الماضي والحاضر والمستقبل أزمنة موجودة بنفس الكيفية، كما يقول آينشتاين، فالأزمنة ليست متوالية، وإنما مترابطة فيما بينها في تأثير متبادل، ليس الماضي وحده من يؤثر على المستقبل، بل المستقبل بدوره يمكنه التأثير على الماضي، تمت محاكاة هذه الفكرة أكثر بمفهوم العود الأبدي الذي يهدم فهمنا الخطي للزمن أي دائماً في تطور نحو الأمام ويعوضه بمفهوم الزمن كتجربة دائرية، كل بداية هي نهاية في حد ذاتها، تظل تعاد لا نهائياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4tdtt8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"