عادي

دبا.. بحيرة من الآثار

22:50 مساء
قراءة 5 دقائق
هند سالم العواني

الشارقة - عثمان حسن

أصل تسمية مدينة دبا، وموقعها الجغرافي والتاريخي، وكونها جزءاً لا يتجزأ من دولة الإمارات، حيث تتبع اليوم لإمارة الشارقة، وأهميتها الاستراتيجية التي حظيت بها عبر التاريخ، وتأثرها بفترات التنافس الاستعماري الأوروبي للسيطرة على تجارة المنطقة، وصلتها بالحضارات التي كانت تجاورها، كل ذلك نجده في كتاب «مدينة دبا.. صفحات من التاريخ والتراث»، للكاتبة والباحثة الإماراتية هند سالم العواني، الصادر عن معهد الشارقة للتراث.

جاء الكتاب في 263 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على مقدمة وملحق صور وأربعة فصول: أولها «دبا.. دراسة في أهمية موقعها جغرافياً واستراتيجياً وتجارياً»، وثانيها «التنافس الاستعماري الأوروبي للسيطرة على تجارة المنطقة»، وثالثها «قلعة دبا الحصن»، ورابعها «الحياة الاجتماعية والسياسية في دبا الحصن».

تشير المؤلفة في مقدمة الكتاب إلى أن دبا كانت قبل انتشار الإسلام سوقاً كبيراً، يقصده العرب كافة، ويأتيه تجار الهند والسند والصين وأهل المشرق والمغرب، فقد حظيت دبا بمكانة تجارية عظيمة، إذ كانت منفذاً للبضائع الأجنبية إلى بلاد العرب، ومعبراً للبضائع العربية المصدرة إلى البلدان الأجنبية، وبعد عدة فترات تاريخية، قسمت المدينة إلى اثنتين، هما: «دبا البيعة» و«دبا الحصن»، فأصبحت الأولى تابعة لحكم دولة عمان، بينما «دبا الحصن» ضمن الأراضي الإماراتية، ويشترك القسمان في نفس التاريخ السياسي، كما يمتازان بالأهمية التجارية والإدارية نفسها.

تسلط الكاتبة العواني الضوء بدرجة أكثر على دبا الحصن، التي استمدت اسمها من قلعتها التي تقع في قلب مدينة الشارقة، وتشكل تاريخاً حافلاً، وعرفها العلماء والتجار والقادة، منذ سنوات قديمة، فتغوص في تدوين الأحداث التاريخية التي وقعت في هذه المدينة، وتستعرض معالم تراثها ومأثورها الشعبي من خلال العودة إلى ماضيها وإبراز ما شهده من أحداث ووقائع مهمة، أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية والتاريخية للمدينة.

تسمية

كانت دبا من المدن التي وصلتها الدعوة الإسلامية، أثناء انتشارها في شبه الجزيرة العربية، وقد شكلت المدينة منارة حضارية امتزجت برائحة العراقة والقدم، فهي من أبرز المدن التي حظيت بشهرة كبيرة في الإمارات، حيث سطّرت صفحات مشرقة في العصر الإسلامي، ولعبت دوراً مهماً في التاريخ السياسي والتجاري للمنطقة.

هناك روايتان في التسمية الحقيقية لمدينة دبا، هما: (دما) و(دبا)، والأرجح من التسميتين هو (دبا)، بحسب كثير من المصادر التاريخية، وتسترشد الكاتبة بمصطلحات معجمية وردت على لسان ابن منظور في «لسان العرب»، وياقوت الحموي في «معجم البلدان»، وغيرهما من المؤرخين، لتخلص إلى أصل التسمية (دبا)، يعني المدينة القائمة على الساحل، بوصفها تقع على جانبي الساحل الغربي من خليج عمان، وأن أصل التسمية أقدم من العصر الجاهلي، وورد في كتابات المؤرخ المعروف باسم (سترابو) عندما نقل عن (أتميدروس السكندري) الذي عاش في عام 101 قبل الميلاد أن هناك شعوباً من أهل الجزيرة العربية كان يطلق عليهم (الدبائيون).

عراقة

تؤكد الكاتبة أن دبا الحصن هي إحدى مدن الشارقة التي تقع في شمال الإمارات، ويحدها من الشرق الساحل البحري، ومن الجنوب مدينة «دبا الفجيرة»، ومن الشمال «دبا البيعة»، ومن المرجح أن العرب الذين قطنوها بعد تحطم سد مأرب، هم من الأزد من بني قحطان، ونزار من بني عدنان، والمدينة اليوم من أهم مدن الشارقة وتحتوي على الكثير من الآثار التاريخية التي جاء ذكرها في العديد من المؤلفات.

ولا تزال المدينة أرضاً بكراً للتنقيب عن الآثار الموجودة بها، وهي من المدن التي استوطنت بها سلالات بشرية كثيرة، وكونت حضارة راقية إلى جوار بعض المدن الأخرى، وهذه السلالات تنقسم إلى ما يلي: سلالات تنتمي إلى جنس البحر المتوسط، وسلالات إلى الجنس الأسترالي القديم، وسلالات كوشية وهم من شرق إفريقيا.

يدرس الكتاب كذلك الآثار الخارجية لمنطقة دبا الحصن، أي الآثار الموجودة في المناطق القريبة منها، كما يدرس الآثار والمكتشفات في منطقة دبا الحصن / الشارقة، ومنها مقابر وهياكل عظمية بشرية، ومن بين تلك المكتشفات ثلاثة أحجار كريمة، هي عبارة عن فصوص تزيِّن خواتمَ فضية، وعدد من القطع العاجية وأمشاط، زُيِّنت كلها بزخارف متنوعة.

وتورد الكاتبة مجموعة من المواقع الأثرية في المدينة، مثل: مقبرة دبا الحصن، منطقة السيح، موقع بستان السيد خلفان، الآثار المحيطة بقلعة دبا الحصن، كما تورد بعض الآثار، منها: مكابس تمر، ولقى أثرية عثر عليها في الطبقة السطحية للمدينة، ومجموعات من الفخار الأخضر الإيراني، الذي يعود إلى القرنين الخامس والسادس عشر، وبقايا منازل قديمة مبنية من جدران حجرية وطينية في الجوانب الشمالية من السور المحيط بالقلعة وغيرها.

تنافس استعماري

تعاقبت الأطماع الأوروبية على استعمار أراضي الخليج العربي، فبدأت بالاستعمار البرتغالي الذي استعمرها بهدف السيطرة على تجارة المنطقة، وهو الاستعمار الذي قوبل بمقاومة من السكان، استمرت لنحو 150 عاماً، ويستعرض الكتاب شرحا مفصلا لدوافع الاستعمار البرتغالي حتى رحيله عن المنطقة، ثم الاستعمار الهولندي، والبريطاني الذي يُفصِّل الكتاب في دوافعه لاستعمار الساحل الخليجي، ويشير إلى شركة الهند الشرقية البريطانية التي لعبت دوراً أساسياً في أحداث المنطقة منذ سبعينات القرن الثامن عشر وما تلاها.

قلعة

يفرد الكتاب مساحة معقولة للحديث عن تاريخ قلعة دبا الحصن، وهي بنيت لتكون منطلقاً لحماية المنطقة وسواحلها، كما يصف القلعة التي يعود تاريخ بنائها إلى ما قبل 400 عام، والتي تشكل سجلاً تاريخياً يمتد لآلاف السنين، ويوثق الكتاب لمبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي أمر من خلالها بترميم القلعة، بوصفها من أهم الآثار في المدينة، ويتحدث عن تاريخها، من فترة زعامة القواسم إلى قيام الاتحاد، ويبحث كذلك في الأهمية الإدارية للقلعة بوصفها المعلم التاريخي الأبرز في المدينة، وهي الشاهدة على الكثير من الأحداث المتسارعة.

مهن

اعتمدت مدينة دبا الحصن على ثلاث مهن رئيسية شكلت عصب الحياة الاجتماعية وهي: التجارة، وصيد السمك، وأدوات الصيد البحري، ولكل واحدة من هذه العناوين دور مهم في تنامي الحياة الاجتماعية لدبا الحصن، فالتجارة على سبيل المثال، شكلت عصب الحياة للمدينة المطلة على الساحل العماني، حيث كانت ترسو السفن بجانبها، بسبب موقعها المهم في الطريق البحري التجاري الذي أضاف لها أهمية أخرى، الأمر الذي دفع بالتجار إلى الوفود إليها والإقامة فيها.

اقتباسات

دبا، مدينة مالكة لأهم الحضارات الممتدة للألف الأول قبل الميلاد.

افتتح بها أول صرح تعليمي في عام 1968، وكانت مدرسة مكونة من ستة فصول.

ارتبطت الحياة الاجتماعية في دبا الحصن بكثير من المهن، كصيد الأسماك والغوص على المحار.

تميزت دبا الحصن بأهمية تجارية وإدارية اكتسبتها بسبب وجود قلعتها.

ارتبطت دبا الحصن بالبحر منذ الأزل.

كان سوق المدينة في بدايات القرن العشرين من أهم الأسواق في الساحل.

تضم القلعة مجموعة من الأبراج المحيطة بها، ولها باب كبير يدعى «باب الصباح» يطل على البحر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2898ab5a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"