أسباب عدم انهيار الاقتصاد الروسي 1-2

21:54 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

خلال بث مباشر في 14 ديسمبر/ كانون الأول، بعنوان «نتائج العام مع فلاديمير بوتين»، توقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في نهاية عام 2023 المنصرم إلى 3.5%، ما وقع على الضد من هدف العقوبات الاقتصادية الغربية الكاسحة التي تقترب من عامها الثالث (فرضت منذ اندلاع الصراع بين الطرفين على الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، ووصل عددها إلى نحو 11 حزمة عقوبات تشمل 1800 كيان وفرد)، والتوقعات الغربية السلبية المسبقة لأداء الاقتصاد الروسي. فيما أكد البنك المركزي الروسي أن الدَّين الحكومي قد انخفض من 46 مليار دولار، إلى 32 مليار دولار، كما انخفض الدين الخارجي الخاص من 337 مليار دولار، إلى 297 مليار دولار. كما ازداد الناتج الصناعي «Industrial output»، وناتج الصناعات التحويلية «Manufacturing»، بنسبة 3.6% و7.5% على التوالي. وارتفع استثمار رأس المال الثابت بنسبة 10%، وارتفعت ربحية الشركات بنسبة 24%، وكسبت البنوك أرباحاً زادت على 3 تريليونات روبل (33.9 مليار دولار). وفيما زادت الرواتب لمقابلة نسبة التضخم البالغة نحو 7.5%، تقف البطالة عند أدنى مستوياتها، وهو 3%.

المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، رغم أنها تعطي أرقاماً أكثر تواضعاً، تؤكد أيضاً أن الاقتصاد الروسي آخذ في الارتفاع، على الرغم من العقوبات غير المسبوقة في تاريخ البشرية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا (صندوق النقد توقع نمواً نسبته 1.5% والنسبة نفسها في عام 2024).

هذه النتائج فاجأت ليس فارضي العقوبات الغربيين فقط، وإنما حتى الاقتصاديين المشتغلين بقضايا الاقتصاد الدولي، وأسواقه المختلفة، الذين راحوا يبحثون عن أسباب تمكن الاقتصاد الروسي من التغلب على عاصفة العقوبات الغربية، بأقل الأضرار. عوامل داخلية، وأخرى خارجية، هي التي مكنت روسيا من تجاوز العقوبات. من العوامل الداخلية التي لا يختلف عليها معظم هؤلاء، هو أنه بخلاف ثروات روسيا من الموارد الطبيعية، وصناعاتها، وقطاعها الزراعي، فإن صمود روسيا يُنسب أيضاً إلى تطور روسيا الكبير في مجال التكنولوجيا. فهي واحدة من الدول القليلة جداً التي لديها محرك بحث خاص بها، وهو ياندكس «Yandex» (محرك بحث وبوابة ويب يقدمان خدمة البحث على الإنترنت، وخدمات أخرى، مثل الخرائط والملاحة، ووسائل النقل العام وسيارات الأجرة، والطقس، والموسيقى، وغيرها)؛ وشبكاتها الاجتماعية الخاصة مثل VK وOK (VKontakte، أو VK اختصاراً، ومعناها بالروسية «أنت على اتصال»؛ وهي شبكة تواصل اجتماعي روسية عبر الإنترنت، مقرها سانت بطرسبرغ، متوفرة بلغات عدة؛ يستخدمها أساسا الروس، ومواطنو جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة؛ وOdnoklassniki، أو OK اختصاراً، وتعني «زملاء الفصل الدراسي»؛ وهذه أيضاً شبكة تواصل اجتماعي روسية أُطلقت عام 2006، وتضم أكثر من 200 مليون مستخدم مسجل و45 مليون زائر يومياً)؛ ووكلاء البريد «Mail agents»، وغيرها.

وفي ما يخص العوامل الداخلية، فإن لدى روسيا احتياطيات من جميع، أو معظم الموارد الطبيعية الأساسية التي تستخرجها لتأمين الطلب المحلي أساساً، والتصدير ثانياً. ولديها صناعات متطورة في جميع القطاعات الاقتصادية، ساهمت العقوبات في إنعاشها وإنشاء صناعات إحلالية أخرى لمنتجات مستوردة «Import substitution». ولديها قطاع زراعي يلبي حاجة السوق الداخلي من الغذاء، ويتم تصدير ما يفيض عن حاجته، ربما باستثناء نشاط التربية الحيوانية الذي تحاول روسيا تعويض النقص الشديد فيه بالاستيراد من الخارج (بحسب بيانات IHS Maritime & Trade، استوردت روسيا في عام 2021، 214,000 طن من لحوم البقر من بيلاروسيا وباراغواي والبرازيل، واستوردت في العام نفسه، بحسب قاعدة بيانات الأمم المتحدة التجارية «United Nations Comtrade database»، ما قيمته نحو 27 مليون دولار، من الحيوانات الحية من أوزبكستان).

روسيا أيضاً، أنشأت نظامها المالي المتطور الخاص بها، والذي يضمن تداول تدفقات الأموال حين تكون البلاد معزولة عن أنظمة الدفع العالمية. ففي عام 2014، حين بدأ الغربيون فرض العقوبات على روسيا، أنشأ بنك روسيا (البنك المركزي الروسي)، «الشركة المساهمة الوطنية لنظام بطاقات الدفع»Payment Card System Joint Stock Company- NSPK)) التي أطلقت بطاقات نظام الدفع مير «Mir».

كما تقوم «NSPK» أيضاً بمعالجة المدفوعات المحلية التي تتم في روسيا باستخدام بطاقات أنظمة الدفع الدولية. فيتم من خلالها 52.5% من جميع معاملات البطاقات المحلية في روسيا، و51.6% من إصدارات بطاقات الدفع الدائنة والمدينة. وفي عام 2019، أطلق بنك روسيا نظام المدفوعات الأسرع «Faster Payments System - SBP»، ضمن حزمة تقنيات وخدمات دفع متطورة، ما سمح للأفراد بتحويل الأموال على الفور إلى بعضهم بعضاً باستخدام أرقام الهواتف المحمولة، ودفع ثمن المشتريات، ودفع فواتير الخدمات، وإجراء مجموعة واسعة من التحويلات الأخرى.

وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2023، كان هناك 221 بنكاً تستخدم نظام الدفع الفوري، أو الأسرع «SBP»، تمت من خلالها معالجة أكثر من 10.3 مليار معاملة بقيمة 47.4 تريليون روبل.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4u2cevd8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"