عادي
سرد لتاريخ النوم وتقاليده

المشي والاستلقاء وجهان لعملة واحدة

23:10 مساء
قراءة 3 دقائق
بيرند برونر

القاهرة: «الخليج»

قال الكاتب الروائي الأمريكي «ترومان كابوتي»: «لا أستطيع التفكير إلا إذا كنت مستلقياً». هل تعرف ما أهمية النوم، والاستلقاء، والفلسفة العميقة، التي تشملها هذه الأفعال التي تظنها عادية؟ يحلل الكاتب الألماني «بيرند برونر» فلسفة النوم والاستلقاء، ليسرد تاريخ النوم وتقاليده المختلفة عبر التاريخ الإنساني، وأيضاً الخرافات المختلفة، التي تحدث عند النوم.

تمتد هذه الأسئلة لتحلل تأثير هذه الأفعال في فكر وحياة الإنسان، سواء الاستلقاء الذي يعطي فرصة للإنسان لتأمل ما حوله، وإعادة التفكير في الموجودات، أو النوم الذي يجدد نشاطه ودوافعه، وربما نظرته في الحياة، وكيف يمكن لهذه الأفعال أن تزيد من مشاعرنا العاطفية، فالسرير ليس المكان الذي نستلقي وننام عليه فقط، بل إننا ننام فيه، ونحلم، ونتأمل، ونستسلم لمزاج حزين، ونتخيل، وأيضاً نعاني عليه.

يؤكد بيرند برونر في كتابه «فن الاستلقاء لماذا ننام.. لماذا نستيقظ.. ولماذا نعيش؟»، الصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع (ترجمة د. سمر منير)، أن أجسادنا مؤهلة لأداء ما هو أبعد من الحركات المحدودة التي نطلبها منها اليوم، فنحن نجلس وقتاً طويلاً جداً، ونتحرك أقل بكثير من أسلافنا، الذين كانوا يعيشون قبل بضعة أجيال، لقد ولدنا لنؤدي أشكالا متغيرة من الحركة، من المشي، إلى الاستلقاء، والوقوف، والجلوس، والمزيد، بفضل تركيبتنا الجينية، واستعداداتنا الجسدية.

أما البقاء في وضعية الاستلقاء، فهو أحد هذه الأشكال فقط، غير أن إغراء الاستسلام لقوة الجاذبية شديد، إذ إنه يجذبنا نحو الأرض، ونحن في صراع دائم مع هذه القوة، فنحن نستخدم قدراً كبيراً من طاقتنا ضد الجاذبية، حتى وإن كنا لا نعي ذلك على الإطلاق، إذ أننا معتادون ذلك الأمر، ونفعله تلقائياً.

ويرى المؤلف أن المشي والاستلقاء وجهان لعملة واحدة، فوجود أحدهما يستلزم وجود الآخر بطريقة ما، فمن سار، أو تجول، أو ركض، أو مارس رياضة التجديف إلى درجة الإنهاك، هو الشخص الوحيد الذي يعرف الإحساس اللامتناهي بالاسترخاء، الذي يمكن أن يجلبه الاستلقاء، بينما يظل البعض الآخر محروماً من هذه التجربة، ويرى البعض بدورهم الاستلقاء من منظور مختلف، إذ يعتبرون الاستلقاء هروباً، عندما تصير أجسادنا مثقلة بالأعباء، وتصير الأمور صعبة جداً، إذ إن الاستلقاء يمثل الرجوع إلى نقطة الصفر.

  • استراتيجية ذكية

يوضح الكتاب أننا نميل إلى اعتبار الشخص المستلقي سلبياً، أو عاجزاً عن الحركة، أو خاضعاً للآخرين، وغالباً ما لا يكون لهذا، بالطبع، أي علاقة على الإطلاق، بدوافع الشخص المستلقي، فربما يريد أن يهوي بجسده، ويستريح، ويسترخي، وربما يريد أن يلتقط أنفاسه من أجل خطوته التالية، ويمكن أن يكون الاستلقاء جزءاً من استراتيجية ذكية، عندما يكون الإنسان في حالة تربّص، أو ترقب.

كما يمكن أن يكون أيضاً تمرداً، كما هو الحال عندما يتجمع أشخاص كثيرون فجأة، ويستلقون ويمنعون الحركة المارة والمركبات، من أجل الاحتجاج للمطالبة بشيء ما، أو الاعتراض على شيء ما، إضافة إلى ذلك، فإن الاستلقاء يمثل أيضاً الوضع المفضل للشخص الكسول، فالكسل المطلق لا يسعى وراء شيء، لا فرح، ولا حتى ارتياح، ولا يخطر ببال الشخص الكسول أن يبذل أدنى مجهود للاستمتاع. وغالباً ما يمثل التعب السبب الوحيد المقبول للاستلقاء، لماذا لا يحظى هذا الأمر بالتقدير؟ في كثير من الأحيان تحيط بنا تحذيرات باستمرار، مفادها أنه يجب علينا أن نظل في كل لحظة في حالة حركة، وأن أي شيء خلاف ذلك يعد علامة على عدم الانضباط، والضعف، والافتقار إلى الطموح، ففي عالم يندرج فيه النشاط واستغلال الوقت بأفضل صورة ممكنة ضمن المبادئ الأساسية، ويمتلئ فيه البعض بالفخر عند انتهاء العمل في المكتب في وقت متأخر من الليل، لابد من اعتبار الوقت الذي يستلقي فيه الإنسان، وقتاً مهدراً بالتأكيد، ولا يجوز البقاء في وضع أفقي إلا من أجل تجديد الطاقة، وذلك لأقل وقت ممكن.

ولد «بيرند برونر» في 27 مايو/ أيار سنة 1964 في برلين، وهو مؤلف لكتب غير روائية، تشتهر باستكشافها للعلاقة بين الإنسان وكل ما يبدو بسيطاً في ظاهره، مثل القمر، والاستلقاء، والكمثرى، والرمان، وقد تخرج في كلية الاقتصاد بجامعة برلين، وتتميز أعماله بأسلوب يجمع ما بين الأدب، والعلوم، والتاريخ، وتعد كتبه من الكتب الأوسع انتشاراً بين القراء، وقد ترجمت إلى أكثر من عشر لغات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8nafwz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"