تغير المناخ والنهج النسوي

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق

أكاش ميهروترا*

أيّد المشاركون بمؤتمر الأطراف الأخير في الإمارات «كوب 28» الارتباط الجوهري في المساواة بين الجنسين والحلول المستدامة للتغير المناخي. وفي وقت سابق من القمة، أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقريراً، توقعت فيه أنّه بحلول عام 2050 قد يدفع تغير المناخ ما يصل إلى 158 مليون امرأة وفتاة إلى الفقر، وأن يواجه 236 مليوناً آخرين انعدام الأمن الغذائي.

وهذا يقودنا إلى سؤال ظل إلى حد كبير دون إجابة، هل يجب اعتماد نهج نسوي لمعالجة أزمة تغير المناخ؟ وتبين الأدلة التجريبية كيف يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ما يؤثر بشكل غير متناسب في حياة المرأة.

إنّ الآثار المتعددة الأوجه لتغير المناخ على حياة المرأة واضحة. ووجود عوامل مثل المشاركة غير المتكافئة للمرأة في عمليات صنع القرار وأسواق العمل، إلى جانب الأعراف الاجتماعية الراسخة التي تضع المرأة في الصف الخلفي وراء الرجل، غالباً ما تعيق مشاركتها في التخطيط وصنع السياسات المتعلقة بالمناخ وإجراء التقييمات الشاملة.

لذا فإنّ الرؤية المتماسكة والعادلة للعمل المناخي تتطلب دمج منظور نسوي بلا شك. ومع زيادة الأبحاث والأدلة، نعلم أنّ هناك علاقة واضحة بين عدم المساواة بين الجنسين والتعرض لتغير المناخ. ويُشير تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أنّ عدم المساواة هذا يسهم في زيادة الضعف الحيوي والاجتماعي لدى النساء وانخفاض القدرة على التكيف مقارنةً بالرجال. وعندما يتم بحث تغير المناخ من منظور الجنس، فإنّ مخاطر الحدود تتجاوز الاقتصاد لتشمل التسلسل الهرمي الاجتماعي والثقافي، والأدوار المجتمعية والعائلية، والصحة، وحتى السلوك.

تعود جذور تعرض المرأة لتقلبات المناخ إلى الأعراف الثقافية القائمة على نوع الجنس، والمسؤوليات الأسرية، وعدم إمكانية الوصول إلى الأصول والموارد، ونقص المعلومات والتكنولوجيا المناسبة. وبالتالي، في ظل غياب نهج نسوي يدقق في قابلية التأثر بالمناخ والتكيف اللاحق من عدسة الحقوق والعدالة الاجتماعية، يصبح الانتقال العادل نحو مستقبل مستدام تحدياً هائلاً.

في جانب متصل، من المؤكد أنّ تغير المناخ يفاقم عبء العمل غير مدفوع الأجر على النساء، وتصبح المسؤولية القائمة على الرعاية الأسرية أكثر صعوبة خلال فترات تضخم أسعار المواد الغذائية الناجمة عن ضعف المحاصيل المحلية، أو عندما ترتفع احتياجات الرعاية الصحية مع ازدياد درجات الحرارة. عدا عن أن الفتيات أكثر عرضة لترك مقاعد الدراسة من الفتيان، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع حوادث العنف، وزواج الأطفال، وحتى الاتجار بالبشر.

ومع إدراك التفاعل المعقد بين تغير المناخ وتأثيره غير المتناسب في المرأة، يصبح من الضروري الاعتراف بحقوق المرأة وعملها ودورها المهم في صياغة خطط التكيف مع تغير المناخ. ويتضمن أحد الجوانب الأساسية للنهج النسوي تجاه تغير المناخ إعادة توزيع الموارد تلبيةً لاحتياجات المرأة، وتعزيز رفاهيتها الاقتصادية والاجتماعية، وقدرتها على الصمود في مواجهة تحديات المناخ.

ومن عجيب المفارقات أن ندرك أنّ النساء أيضاً أول المتضررين من أي كارثة مناخية، خاصةً مع دورهن المتزايد كمقدمات للرعاية الأساسية في المتغيرات السلوكية والتخطيطية على مستوى الأسرة، وهن خط الدفاع الأول ضد الأخطار الناجمة عن المناخ.

وينبغي لمبادرات الحماية الاجتماعية الممولة من القطاع العام أن تعترف بهذا المبدأ وأن تعمل على أساسه، وأن تسهل إعادة توزيع الموارد الاجتماعية والاقتصادية، لتمكين المرأة والارتقاء بها في التخطيط للتكيف مع تغير المناخ. وقد أظهرت نتائج جهود إعادة التوزيع هذه فوائد اجتماعية واقتصادية ملموسة.

لكن التبدلات الاجتماعية الناجمة عن تغير المناخ تقودنا أيضاً إلى وضع فريد من «تأنيث المسؤولية»، وتسلط النظرية الضوء على الوضع الذي يُؤدي فيه تأنيث الجهود إلى تفاقم أعباء المرأة. وأحد جوانب هذه الظاهرة هو الاتجاه المتزايد للهجرة الموسمية، وتلك الناتجة عن الكروب والمحن بين المجتمعات الضعيفة. فعادة ما يهاجر الرجال بحثاً عن فرص معيشية أفضل، على اعتبار أنّ تغير المناخ يهدد سبل حياتهم التقليدية، مثل الزراعة، في مناطقهم الأصلية. وفي هذه الحالات، تقع المسؤولية الكاملة لإدارة الأسرة والحفاظ عليها على عاتق المرأة.

وهذا التحول في المسؤوليات لا يضع أعباء إضافية على كاهل المرأة فحسب، بل يؤكّد أيضاً الحاجة إلى اتباع نهج شامل يراعي الفوارق بين الجنسين في التكيف مع تغير المناخ. وهذا أيضاً يجعل من الضروري سماع أصوات النساء، وإشراكهن في التخطيط للتكيف على جميع المستويات.

ويوجد حالياً نقص كبير في تمثيل المرأة في محافل التخطيط البيئي عالمياً. وحتى داخل أروقة مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة، تشير الأرقام إلى استمرار الفجوة بين الجنسين.

حيث ظلت نسبة الوفود التي ترأسها نساء راكدة عند نحو 20%، مع تأرجح إجمالي المشاركة حول 35%. وعلى مستوى المجتمع المحلي، لا تزال المرأة تواجه عقبات قائمة على أساس الجنس تحول دون الاعتراف بقيادتها.

إنّ تمكين المرأة وإدراج صوتها في مواجهة تغير المناخ لم يعد مجرد ضرورة أخلاقية، بل محور استراتيجي مهم، يتيح فهم التأثيرات متعددة الأوجه للتغير المناخي، ويُوجِد حلولاً أكثر عدلاً وشمولية.

*كاتب وباحث في شؤون التنمية الدولية (أوراسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc659eda

عن الكاتب

كاتب وباحث في شؤون التنمية الدولية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"