عادي

«راقصة البلاط».. هوية ضائعة على تخوم الحداثة

23:25 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

في أربعة أجزاء صدرت رواية «راقصة البلاط جين لي» للكاتبة الكورية «كيونغ سوك شين» (ترجمة محمد نجيب) وهي رواية مستلهمة من قصة حقيقية عن راقصة بلاط في أواخر القرن التاسع عشر، وتناقش ثيمات عن الاختلاف والتوافق والهوية بين حضارتين، عن طريق وضع تاريخ كوريا إلى جانب راو من الغرب، حيث تلقي الكاتبة الضوء على التباين الشاسع بين أوروبا وكوريا الأمة الآسيوية الأكثر عزلة، تتعمق راقصة البلاط في مناقشتها لما يمكن أن يفقده بلد ما من هويته وتقاليده في مقابل الحداثة.

هذه الملحمة الرائعة تمزج بين التاريخ والخيال، عبر تصوير مدهش وشاعري لامرأة ودولة في مفترق طرق تاريخي، فهي تعرض لنا فترة مهمة في تاريخ كوريا القديم، الرواية حزينة والنص ثري وصادق بالنسبة لخلفيته التاريخية وتعدد أصواته الروائية، والكاتبة أشهر أديبة في كوريا الجنوبية، فهمها العميق لخلجات النفس البشرية يتجاوز الحدود التاريخية، ويعزز قدرتها على تصوير مكان مختلف وزمن بعيد.

في الساعات الأولى من صباح الثامن من أكتوبر عام 1895 تسلل خمسون رجلاً يابانياً مدججين بالسيوف إلى قصر «غيونغبوكجونج» في سيول بكوريا، تغلبوا على فرقة من الحرس الملكي الكوري، قبل أن يدخل عشرون منهم إلى البلاط الملكي، كانوا ينفذون خطة محكمة حاكها موفد اليابان بنفسه لاغتيال الشخص الأخطر على مستقبل اليابان الاستعماري، خطة عرفت باسم «عملية اصطياد الثعلبة».

حبسوا الملك في جناحه، اقتحموا جناح الملكة، سحبوا خادمات البلاط من شعرهن، وجروهن إلى الخارج، وألقوهن في الوحل، واستجوبوهن، كان القتلة يبحثون عن الملكة «من» زوجة ملك مملكة جوسيون الكورية، كانت امرأة هزيلة مجهولة، الأم كبرت وكبر معها نفوذها وسلطتها داخل البلاط، حتى عدها كثيرون الحاكم الفعلي للمملكة، وهي من أشهر الملكات في التاريخ، قوتها وحكمتها وتاريخها الحافل والغامض، ونهايتها المأساوية التي كانت بشكل ما بداية نهاية مملكة جوسيون واحتلال اليابان لكوريا الذي دام حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

يشير المترجم في تعقيبه على العمل إلى أن السنوات الأخيرة من حكم مملكة جوسيون كانت منبعاً للكثير من الروايات والأعمال الدرامية، خاصة مع الغموض الشديد الذي يكتنفها ومحاولة كل طرف سواء كوريا أو اليابان أو الصين الترويج لرؤيته الخاصة للأحداث، فمع ضعف مملكة جوسيون في سنواتها الأخيرة باتت مطمعاً للكثير من القوى الخارجية والمؤامرات الداخلية.

لذا، حين قررت «كيونغ سوك شين» الكتابة عن تلك الفترة الحرجة في تاريخ كوريا حاولت أن تنبش في التاريخ عن شخصية نسائية مهمشة فوجدت اسم «جين لي» راقصة البلاط التي لا يذكر التاريخ عنها الكثير مقارنة بالشخصيات الأخرى الواردة في الرواية التي تمتلئ الشبكة العنكبوتية بمعلومات عنها، من ثم استخدمت عبقريتها الروائية في نسج خيوط هذه القصة الحزينة المرهفة بعناية، حتى بلغت ذروتها في النهاية الصادمة.

«راقصة البلاط» رواية تاريخية تدور في أجواء مشابهة لكلاسيكيات مثل «اعترافات فتاة الجيشا» مبنية على أحداث حقيقية، لذا وجب الإشارة إلى عدد من شخوص الرواية، التي لها جذور حقيقية في التاريخ، كما يرى المترجم محمد نجيب، ومن هؤلاء موفد فرنسا، وكان دبلوماسياً شاباً، انبهر بجمال وسحر راقصة البلاط وطلبها من الملك الذي منحها له كهدية امتثالاً لقوانين البلاط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32x8fx64

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"