ذاكرة جماعية إماراتية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في كتاب.. أمضى الشاعر والباحث والصحفي عياش يحياوي أكثر من خمسة عشر عاماً في الإمارات قدّم خلالها للساحة الثقافية المحلية العديد من المؤلفات التي تعود في روحها إلى بيئة الإمارات الأدبية والتراثية والتاريخية، وكان شغفه بالصحراء والجبال بشكل خاص ما يلتقي تماماً مع تكوينه الشخصي والثقافي الذي قام على هاتين البيئتين (الجبال والصحراء) في بلاده الجزائر، لا بل إن عِرْقاً بدوياً طيّباً كان فيه وفي ذاته الأدبية والإنسانية يلتقي بمحبة عميقة مع قيم وثقافة أهل البادية والجبال والصحراء في الإمارات.

من أجمل الكتب التي عمل عليها عياش يحياوي (أوّل منزل) صدر في 2007 ويتضمن دراسة وحوارات تتصل بطفولة خمسين مثقفاً من الإمارات، وقد اختار يحياوي أن يبدأ حواره مع هؤلاء الكتّاب من مكان واحد هو البيت الأول الذي ولد فيه الكاتب شاعراً أو روائياً أو إن كان مسرحياً أو رسّاماً أو باحثاً في الثقافة.

كان يسأل عن شجرة البيت، وأبوابه، وحوشه، ونوافذه، والفريج الذي يقع فيه البيت، كان يسأل عن القصص الأولى في ذاكرة كل كاتب. قصص الطفولة والأب والأم والعائلة، ولم يكن في هذه الحوارات معنيّاً بالتنظير في الأدب والنفخ في مصطلحات كبيرة أو الاستعراض الثقافي، بل ما كان يهمّه هو صورة المنزل الأول للكاتب، والفضاء الذاكراتي والحنيني لهذا المنزل. وممّا عمّق روح هذا الكتاب أنه حصل على صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود لبيوت شعبية قديمة في أحياء وفرجان قديمة.

الكتاب ليس مجرد حوارات، بل هو ذاكرة جماعية إذا أردت القول، وهو تاريخ شعبي فطري لمكان طفولة الإنسان وعلاقته بالأشياء والكائنات التي حوله من الأشجار إلى الحجارة إلى الأبواب إلى الأسوار، وفي الإطار المرئي البصري هذا تتلاقى وتتقاطع الكثير من الحكايات التي تشكل معاً سردية تراثية إماراتية بكل ما فيها من فطرة ثقافية ومكانية.

من عناوين الكتاب التي هي مبتدأ وخبر حكايات هذا الأفق الاجتماعي الإماراتي المبكّر.. ما قاله الشاعر عبدالله الهدية، قال إن دموع عجوز شحّية (من الشحوح) علّمته الاستماع لنشرة الأخبار، أما الباحث عبيد بن صندل فقد طلب الرزق على الحمار والجمل وكان يرعى الغنم ويعمل في الدكاكين، ويتحدث الباحث عبدالله الطابور عن فريج (الميان) في رأس الخيمة ويذكر كيف كانت النسوة الكبيرات في السنّ يشرعن ليلاً في سرد الخراريف والحكايات، وكان عبدالرحمن حسن الشامسي يشرب من ماء المطر ويسقي أمّه منه، ويقول أحمد راشد ثاني إنه لم يشاهد وجهه في طفولته، ويقول الباحث عبد العزيز المسلم إن شجرة الرولة أورق تحتها تاريخ ثقافي شعبي بأكمله، وتتذكر نجاة مكي أيام الحصبة والصفراء والقطط التي لا تترك منزلاً إلّا ودخلته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2z9rtnff

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"