د.هاشم محمود الزيود *
أقيم في الإمارات منذ 8 سنوات، في وسط مدينة الشارقة وفي برج يتكون من 30 طابقاً، وفي كل طابق 7 شقق، وكل شقة فيه على الأقل مكيفان اثنان، بقوة طنين لكل مكيف، ومحاط بعشرات الأبراج بذات الارتفاع والمساحة أو أكثر، في الصيف تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية مع رطوبة عالية جداً في بعض الأوقات، وشهد التاريخ أنه في أزمة كورونا العالمية بينما كانت دول عظيمة ومتقدمة تعلن عن سقوط أنظمتها الصحية، وتعطل الحياة فيها، والأبواب تغلق في وجه مواطنيها، كانت الإمارات تمد جسراً جوياً إنسانياً، مع رعايا تلك الدول، وتضمن نقلهم إلى أماكن آمنة داخل الإمارات وخارجها، مع تقديم كامل الرعاية لهم.
وبعد انتهاء الأزمة بأقل من سنة سجل الاقتصاد الإماراتي تعافياً كأسرع اقتصاد عالمي من بين الدول المتقدمة، وبشهادة تلك الدول ذاتها، وفي الأيام الماضية تعرضت الإمارات لأكبر كمية أمطار في تاريخها خلال ساعات فقط، ما يعادل منسوب عدة سنوات مجتمعة، وكأن الأزمة تظهر بشكل آخر، ومع ذلك لم تنقطع الكهرباء أو الماء أو الغاز الذي يصل إلينا عبر الأنابيب ولو نصف ساعة- على الأقل في منطقتنا ذات الكثافة السكانية العالية- ولم يرتفع سعر سلعة واحدة، أو نفتقدها من الأسواق، ولم يقف الناس طوابير على أبواب المحلات التجارية، لتخزين ما يحتاجونه من مواد غذائية، ومعظم مؤسسات الدولة بما فيها طلاب الجامعات والمدارس الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان، تم تحويلهم للتعليم عن بعد ما يعني الاعتماد الكلي على شبكة الإنترنت، ولم يسجل أي انقطاع أو حتى ضعف في الشبكة مع الطلب الشديد على الخدمات الإلكترونية، ولم يحجب موقع واحد.
لقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو وخرجت الناس بالبث المباشر من كل أنحاء الدولة، لم تتوقف سيارات الشرطة وآليات المؤسسات العامة والبلديات عن العمل على مدار الساعة، ولم تسجل حالة وفاة واحدة بفضل الله بسبب الظروف الجوية، وإن كانت الخسائر مادية بمجملها، وما إن أشرقت شمس اليوم التالي للعاصفة حتى بدأت الإمارات بالتعافي بشكل سريع، وكأنها سحابة صيف، مرت عليها مرور الكرام، هذه البلاد عليها من الله كرام حافظون»، وأهلها إن مرو باللغو مروا كراماً، لا يضرهم حاقد ولا تزيدهم التجارب والظروف إلا قوة على قوتهم.
في كل مرة تنهض الإمارات أقوى وأشد صلابة تستفيد من التجارب وتزيدها المحن قوة وتضرب للعالم أروع الأمثلة لتسجل على صفحات التاريخ وبخط واضح، هنا أفضل الممارسات العالمية في التعامل مع الأزمات، هنا الإمارات.
* أخصائي تدريب وتنمية مهنية
