الإمارات كمحور ريادي للأعمال الخيرية الاستراتيجية

00:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

بدر جعفر *

منذ القِدم، والعالم العربي معروفٌ بتأصل تقاليد العطاء في تاريخه وعمق جذور فعل الخير في نسيجه الثقافي والديني، ولكن جائحة كورونا أحدثت تحولاً واضحاً في طبيعة الممارسات الخيرية بصورة عامة استدعت الحاجة لاتباع منهجيات أكثر استراتيجية في تعاملنا مع التحديات المعقدة المحدقة بمنطقتنا. ومع التحولات الحاسمة الصعبة التي يُجابِهُها العالم اليوم على الصعيدين الجيواقتصادي والجيوسياسي، يسطع بريق الأمل من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقود بإمكاناتها الفريدة الفذة مستقبلَ العمل الخيري في أسواق النمو العالمية في آسيا وإفريقيا، سواء كان لخدمة مجتمعاتها أو الصادر منها لمجتمعات العالم أجمع.

تستضيف إمارة أبوظبي حالياً المؤتمر العالمي للأعمال الإنسانية الآسيوية AVPN 2024 الذي سيستمر لثلاثة أيام، وهذه المرة الأولى التي يقام فيها مثل هذا المؤتمر في المنطقة الغربية من آسيا ويستقطب مستثمرين اجتماعيين، وفاعلي خير، ومؤسسات، وواضعي سياسات، وباحثين، ورواد أعمال ومنظمات مؤثرة من جميع أصقاع الأرض، ليضافر جهودَهم ويكثف التعاون فيما بينهم لتحقيق نتائج أسرع وأقوى. يعكس هذا المؤتمر بوضوح التزام دولة الإمارات بمد جسور الحوار بين أصحاب المصلحة من حول العالم، وإيجاد حلول ناجعة للأزمات المتداخلة التي يكابدها العالم بأسره.

ولعل من أهم العوامل التي أبرزت دولة الإمارات كمحور للعمل الإنساني والخيري، هو ما تشهده المنطقة بنطاقها الأوسع من تغيرات ديمغرافية وانتقال للثروات عبر الأجيال، فآسيا وإفريقيا اليوم تشكلان قرابة 80% من سكان العالم وشبابه والقسم الأكبر من الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع في هذه المناطق بالتحديد، انتقال 26 تريليون دولار أمريكي عبر الأجيال في العقدين القادمين، ما سيولد فيضاً من الموارد لتمويل المبادرات والجهود الخيرية. وعلاوة على ذلك، هناك جيل جديد من أصحاب الأموال الخيرية والمانحين الضليعين بالوسائل الرقمية، الذين يعيدون تشكيل منظومة العطاء ويطالبون بمستويات أعلى من المساءلة والشفافية والقياس لنتائج المشاريع والمنظمات التي يمولونها. وفي هذا الخصوص، بيّن استبيان عالمي أجرته Alliance، وهي مؤسسة غير ربحية تحلل التوجهات السائدة في القطاع الخيري، أن 89% من المستجيبين يعتقدون أن إفريقيا وآسيا، بما فيهما الشرق الأوسط، ستشهدان أعلى مستويات النمو في العطاء والعمل الخيري على مدى ربع القرن المقبل.

ولا يمكن الحديث عن مشهد العطاء الحالي دون الإضاءة على الابتكارات التكنولوجية التي يعتبر دورُها هائلاً في دمقرطة العمل الخيري وتحسين فعاليته وتأثيره، إذ ساعدت الأدوات والمنصات الرقمية في تسهيل الوصول إلى الموارد الخيرية والعطاء، كما أن التكنولوجيا الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية، تمتلك القدرة على تغيير الممارسات الخيرية تغييراً جذرياً. وبالبنية التحتية التكنولوجية المتطورة في الإمارات والاقتصاد الابتكاري المزدهر، تستطيع الدولة أن تسخر التكنولوجيا لتحقيق نتائج اجتماعية وبيئية إيجابية عبر أسواق النمو.

تستمر دولة الإمارات باتخاذ خطوات استباقية حصيفة لتأسيس البنية التحتية اللازمة لدعم العمل الخيري الاستراتيجي. وخير دليل على هذا الالتزام تأسيسُ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مجلس الشؤون الإنسانية الدولية في دولة الإمارات، الذي يترأسه سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان ويُناط به الإشراف على أجندة السياسات للشؤون الإنسانية والخيرية وتطوير الرؤية المستقبلية والأطر لتنفيذية التي تكفل تحقيق أقصى النتائج الإنسانية.

وجدير بالذكر أيضاً المبادرات المحلية الريادية، مثل برنامج الحوكمة في العمل الخيري التابع لمبادرة بيرل بالتعاون مع مؤسسة غيتس، ومبادرة العمل الخيري الاستراتيجي في جامعة نيويورك أبوظبي، اللذين يعكفان على مد أصحاب المبادرات الخيرية بالمعارف والموارد التي تضمن تحقيقهم أفضل المخرجات من أعمالهم.

ولا يمكننا التغاضي عن دور الأعمال والشركات في تحسين العمل الخيري، سيما أننا نسعى أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الشراكات بين القطاعات العامة والخاصة والخيرية والاستفادة منها لتكثيف التمويل والنتائج. صحيح أن المؤسسات في الإمارات لطالما كانت نشطة في المجال الخيري، إلا أننا بدأنا نرى زيادة بمستوى الوعي لدى قادة الأعمال بأهمية التوفيق بين الأهداف الاجتماعية والتجارية.

وبالتعاون مع المنظمات غير الربحية، تكتسب الشركات فهماً أوفى للأولويات الاجتماعية والبيئية، ما يُمَكِّنها من تحسين الأثر الذي تحققه نماذج أعمالها على المجتمع. وفي المقابل، تمتلك المؤسسات الخيرية فرصة واضحة للنمو بتحسين تعاونها مع الشركات، خصوصاً أنها باتت الآن أكثر حرصاً على تبني التكنولوجيا وتحليل البيانات وتعزيز قياس الأثر.

وللتشجيع على تبني مفهوم العمل الخيري الاستراتيجي على أوسع نطاق ممكن وتحقيق الاستفادة الأقصى من إمكاناته وتمويلاته، من الضروري إيجاد حلول استباقية لأي عقبات محتملة قد تعيق تقدمه. للحكومات دور أساسي تؤديه في هذا السياق عن طريق توفير البيئات المواتية والأنظمة والأطر التنظيمية الداعمة للعمل الخيري. وبالمقابل، على المنظمات غير الربحية بدورها أن تتمسك بالشفافية والمساءلة وتعتبرهما ميزة تنافسية، كما على المتبرعين الاهتمام بمتابعة مسار أموالهم وكيفية استثمارها والنتائج الناجمة عنها.

ومع نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة كنواةٍ للعطاء والعمل الخيري، أمامها بالتأكيد فرصةٌ عظيمة لتكون مثالاً قيادياً ملهماً لأوطان العالم في تبني الأطر والأنظمة التي تشجع على العمل الخيري الاستراتيجي وانتهاج ممارساته. وبتوظيف قوة التكنولوجيا، وتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة، وترسيخ ثقافة الشفافية والمساءلة، تقف دولة الإمارات في مقدمة مسار التغيير، لتقود هذا القطاع النابض بالعزيمة والأمل نحو الآثار المستدامة والحياة الأفضل للملايين من حول العالم.

* رجل أعمال وصاحب أعمال خيرية، إماراتي، عُيّن مؤخراً المبعوثَ الخاص لشؤون الأعمال التجارية والخيرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pb4kyd9

عن الكاتب

الممثل الخاص للأعمال التجارية والخيرية في «COP28»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب