وداعا أيها البدر

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

ويعود الفقد، ولا يقبل الرحيل عن حرفي، يبكيني قبل أن أكتب السطر، يدمي قلبي ويشلّ أوصالي، يجردني من حقيقة الدنيا ومن فيها، وتشتد فيّ حمى الضيق والتعب، ويعود الفقد فيجعلني مكلومة منهارة في داخلي، لا أدرك الصمت ولا الكلام. والوجد الذي يحمل مشاعرنا لم يقوَ بعد على الصبر.

أيّها الراحلون واحداً تلو الآخر، رويدكم، فوالله ما ارتاح المدمع ولا كفّ القلب عن فقدكم.. رويداً، فسيل عرم من حزن ودمع يسكننا، ولا يسعفنا معجم اللغة فنكتب ما في هذه الروح. احتبس الشعور وصار خانقاً مؤلماً. ويعود الفقد في وشاح أسود وصورة غاب صاحبها، ودنيا لم يعد فيها من نحبُ.. ارتحلوا، ودّعونا وألف حوار لم نقله، وكثير من شوق لم نبح به، أجلنا معكم الحياة، فلم تعد الحياة بكم اليوم. لعل الغربة التي في داخلنا تنزوي وترتوي ولعل الروح «بعد حبسها تلقى ما يرضيها عند ربها».. هنا رحل البدر.

ويعود الفقد ويرحل البدر الأمير بدر بن عبد المحسن، ويرحل معه عمرنا الذي احتبس في جمال إحساسه، ورقيّ تواضعه، في صمته الذي حمل القصيد، وفي بوحه الذي جعل الدنيا في عيوننا حباً ونوراً. رحل أمير القصيد، وسيد الإحساس والشعور، في يوم لا مقدمة فيه ولا عنوان، الكل في حداد والكلمة في فقدك لا تلقى من يعزيها، وأصابع اليد مثقلة وهي تكتب وداعك، في داخلنا نحن الأجيال الذين سمعناك وقرأناك وابتسمنا لمبسمك، وحزنا لعتبك، وقلبنا الأغاني في صدق بوحك حتى صارت سطورها في دواخلنا نحملها عمراً بعد عمر. أيها البدر لو تدري كم أبكيت في رحيلك عيوناً، ولو تدرك الآن وأنت في غربة الرحيل كم نحن مفجوعون ومتألمون!

الفقد أيها البدر، لا يساوي شيئاً نكتبه، لا يعرف حتى كيف يرثيك ويحسن لك، لا تعرف أصواتنا كيف تنطق رحيلك، وتشهد الدنيا أنا لفراقك لمحزونون، أنت فقد صعب، لا يوازيه ما تكبته المتون، ولا تجري على هوانا بيوت الشعر لتنصفك، قيّدتنا بجمالك وأخفتنا برحيلك الصامت، وكأنك تخبرنا آخر قصائدك من دون أن تكتبها، وتسمعنا شعراً لن يقرأه إلا المحبون، وكأنك تعطينا في رحيلك المباغت درساً، أننا مغيبون إلا من صورة الحب والأثر الجميل، من بوح صادق أمين، من تعب لا يلقى إلا الأثير ليحترمه.. أيها البدر، وآه من رحيلك، طبت حياً وعند الله ستلقى بإذن الله راحتك وحريتك..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4p7sbv98

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"