عادي

مواقع التواصل.. جراحة تجميلية رقمية

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

انطلق د. المصطفى شكدالي في صياغة هذا الكتاب وعنوانه «سيكولوجيا الإنسان المُرَقمن - التنشئة الخوارزمية وبناء الهوية في عصر الثورة الرقمية» من زاوية نفسية، وهي المقاربة التي نشأت مع تطور استعمالات الفضاء السيبراني، وما أصبحت تفرزه من تصرفات وظواهر نفسية - اجتماعية غير مسبوقة في تاريخ الإنسان.

علم النفس السيبراني هو أحدث فرع من فروع علم النفس، ويهتمّ بدراسة الكيفية التي تؤثر بها التكنولوجيا الرقمية على الفرد، وما يصاحب ذلك من تغيرات في سلوكه وتصرفاته من فرط الإبحار في الفضاء السيبراني، ورغم أهميته لمواكبة التحول الذي يعرفه الإنسان منذ بداية عصر الرقمنة، لا يحظى حتى الآن بالمكانة التي يستحقها داخل الأوساط الجامعية.

يتبنى الكتاب السؤال عن أثر الاستعمالات الرقمية، فيما يخص التنشئة التي تتم داخل الفضاء السيبراني، وبالتالي كيف تتشكل هوية الأفراد والجماعات داخل هذا الفضاء، يرى المؤلف أن الكتابة في موضوع التحولات، التي جاءت بها الرقمنة على مستوى السلوك البشري، أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، فالموضوع الذي حاول المؤلف مقاربته في طور التشكل، لا ينتهي من مرحلة، حتى يدخل في أخرى، نظراً للانتقالات المسرعة، التي تميز التكنولوجيا الرقمية.

الصورة

استخلص المؤلف فكرة أساسية مما سبق ذكره، مفادها أنه قد يتوهم معظم رواد التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، أنهم يستعملون المنصات الرقمية، في حين أنها هي من تقوم بذلك، في غفلة منهم، إن التحكمية الخوارزمية أدت بالكثير من رواد المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى الإدمان، نظراً لما تمارسه من تأثير واضح على وظائف الدماغ، وتوجيه التفكير، وجعلهم دائماً متاحين لممارسة طقوسهم الرقمية.

إن حسابات رواد مواقع التواصل لا تستقر على حال، وهي تقدم ذاتها عن طريق المنشورات المكتوبة، أو صور السيلفي، أو مقاطع الفيديو، وهنا يقول المؤلف: «إنني أطلقت عليها توصيف الهوية الرقمية المتحورة، وبالإضافة إلى عملية التثمين النرجسي، الذي طغى على تقديم الذات، فإن الخوارزميات تتيح للسيبرانيين إعادة خلق ذواتهم في شكل جديد، عن طريق استعمال التطبيقات المندمجة في المنصات الرقمية، خاصة ما يعرف بالصور المفلترة».

كأنما الأمر يتعلق بترميم سيكولوجي للذات الرقمية، التي أصبحت تطمح إلى الظهور بهيئة لائقة، وهو الشيء الذي أطلق المؤلف عليه الجراحة التجميلية الرقمية، والتي من خلالها يحاول السيبراني تعديل صورته، انطلاقاً من إدراكه لها في الواقع اليومي، وتعويضها بصورة أخرى، موجهة إلى حياته الموازية في عالم السيبرانية.

بهذه العملية، فإن الصراع النفسي الذي يحصل في الحياة الواقعية بين الأنا المثالي والأنا الواقعي، يظهر من خلال عمليتي إعادة خلق الذات رقمياً، وما هي عليه في الواقع اليومي، كأنما ترميم الذات من خلال الرقمنة، يحمل خطاباً مستتراً مضمونه: «هكذا أريد أن أكون...» إلا أن الواقع يعيدهم إلى ما هم عليه في الحياة اليومية، وبذلك، تكون شاشات المنصات الرقمية مجالاً لاستعراض ما أسماه المؤلف «الأنا الرقمي المثالي».

من القضايا التي تسترعي الانتباه في عملية تقديم الذات، هذا الكم الهائل من البوح، والكشف عن الدواخل، إلى درجة أن الأحاسيس الداخلية والتخيلات، رُفع عنها ستار التكتم، لتتحول إلى ظهور مفرط على شاشات المواقع الرقمية، وهو الشيء الذي أفضى إلى الاعتقاد بأن مفهوم الأنا الأعلى، كما جاء في التحليل النفسي، يسود فيه التحفظ باسم الأخلاق والقيم الاجتماعية، أصبح دوره يتقلص لصالح البوح بالحميمية على الشاشات الرقمية.

هناك شغف شبه مرضي بالبوح النفسي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/z7jf3zmu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"