القاهرة: الخليج
«الدولة المدنية» مصطلح لا نجده في تاريخنا الفكري، القديم أو الحديث، فلم يستخدمه الفارابي أو ابن رشد، كما أنه لم يرد عند لطفي السيد أو طه حسين، وكذلك لا نجد له وجوداً في الفكر السياسي الغربي، فلو أردنا ترجمة هذا المصطلح إلى الإنجليزية أو الفرنسية لوجدناه يعني الحالة المدنية للشخص، من حيث ميلاده ونسبه ووضعه العائلي إذا كان متزوجاً أم أعزب، وهذه الدلالة لا صلة لها بشعار الدولة المدنية.
غير أننا كما يقول الدكتور أنور مغيث في كتابه «في الدولة المدنية»: نجد استخداماً متعدداً ومتنوعاً لكلمة مدني في الفكر السياسي الغربي، فلدينا المجتمع المدني ويعني مجموع المنظمات والجمعيات التي يشكلها الأفراد بصورة مستقلة، عن الدولة، ولدينا القانون المدني، ويتعلق بالحالة المدنية للأفراد، وكذلك لدينا الأخلاق المدنية، وهي تشير إلى مجموعة من القيم التي يجب أن يتحلى بها المواطنون في المجال العام، مثل صيانة المال العام.
*مصطلح مستحدث
هذه الدلالات المتنوعة تتماس وتتلاقى مع مفهوم الدولة المدنية، لكنها لا تحدد مضمونه بدقة، هو إذن مصطلح غريب على الفكر السياسي الذي عهدناه، أو بمعنى أصح هو مصطلح مستحدث لا يمكن الإمساك بمضمونه من خلال تاريخ الفكر أو من خلال المعاجم والقواميس، رغم ذلك لا يمكن لنا استبعاد المصطلح بحجة عدم وجوده في النظريات الكلاسيكية، لأنه بارز الحضور في حياتنا السياسية الراهنة، ويشغل الناس كما يشغل السجال الفكري بين القوى السياسية في المجتمع.
يشير الدكتور أنور مغيث إلى أن العصر الوسيط الأوروبي ينتهي على مستوى الفكر، ويبزغ فجر النهضة انطلاقاً من شعار القس الإنجليزي روجر بيكون الذي يقول: «علينا بالبحث عن الحقيقة في الأشياء لا في الكلمات» ويرى هيدجر أن هذه الكلمة بمنزلة إعلان عن قدوم الحداثة.
أراد روجر بيكون توجيه معاصريه إلى أن الحقيقة موجودة في الأشياء التي تملأ العالم الماثل أمام أعيننا، ومعنى ذلك أن العلم الطبيعي هو مصدر الحقيقة، وانطلقت في هذا الوقت مجازات دالة مثل قراءة كتاب الطبيعة المفتوح أو كتاب العالم الكبير، ولا يعني ذلك أن العلم قد بدأ هذه اللحظة، وإنما انطلق انطلاقة كبرى كان لها أكبر الأثر في تغير الموقف الفكري للإنسان.
يرى الدكتور مغيث أن تأسيس الدولة المدنية عملية بناء طويلة الأمد تستدعي يقظة ونضالاً متواصلين، وتقوم الدولة المدنية على أسس منها: الأمة مصدر السلطات، وتعدد الرؤى والمذاهب الأيديولوجية، وهي دولة تلتقي مع روح العصر ومع مسيرة البشر، وهي الدولة التي تصون حقوق الأفراد، وتمنع أي قوى أخرى من الاعتداء عليها.
