ارحموا «الاستدامة»

01:10 صباحا
قراءة دقيقتين

لقد عشتُ عمراً في عالم البيئة والاستدامة، بحكم التخصص العلمي وعملي، ونادراً ما فضلت الكتابة عنها لإيماني بأن لها أهلها ليكتبوا عنها، لكن المتأمل لحالها اليوم يجعل الصامت ينطق، ويحدُث الجمع بين الحقيقة وبين ما لا يمكن فقط أن يكون «ترنداً»..!

لقد أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2023 عاماً للاستدامة، ولأهمية الأمر ولأن عاماً واحداً لا يكفي، مدّد سموّه ليصبح عام 2024 أيضاً عاماً للاستدامة، إيماناً وحرصاً على مفهوم عميق يجعله على قائمة الأولويات عالمياً، ليس فقط في العقدين الماضيين ولكن منذ أن خلق الله البشرية؛ لقد قال الله وذكر في كتابه الكريم «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وذلك ليعمرها ويستقر فيها، لا أن يفسد فيها، وذلك عند الله أمر عظيم.

إن الاستدامة بمفهومها العلمي، تركز على عناصر كثيرة، وتغيرت عدة مرات، لكنها بدأت وعادت على العنصر والمحور الأهم «الإنسان» لأنه أصل الأشياء ومن استخلفه الله على هذه الأرض، وجعل كل ما فيها لتخدم وجوده واستمراريته.

إن المتفحص لما يجري اليوم، يلحظ سباق ومهاترات باستخدام كلمة «الاستدامة» كترويج تجاري بحت يحزن على اختلاط الحابل بالنابل، ففي عام 2023 ما زلت أذكر أن في كل شيء وردت هذه الكلمة دون أساس علمي أو حقائق، وكأن المتلقي لا يفقه شيئا، حتى باتت مستهلة، مرهقة، تعبت وسئمت من سوء العبث فيها وتحريفها.

ارحموا «الاستدامة».. لكل المطبلين، ولكل المدّعين، ولكل المستغلين، ولكل جاهل بها، توقفوا قليلاً، وتوغلوا قليلاً في جمال ما فيها من حياة كريمة، ودعوة من الخالق، وولي الأمر لأن يصبح كل راع مسؤولاً، ويطلق ما يجب أن يكون حالة مستمرة منتجة ومعمرة، لكل المتزينين بها ليتكسبوا أموالاً وأرقاماً جديدة، هل تدركون أنكم غثاء وحالة مزعجة، ولولا السأم لما كتبت لكم بأن تحلّوا عنها وتتركوا لأهلها الساحة لأن يبرزوا.

نحن اليوم في عالم زاخر بالتغيرات والمتطلبات، وحالة التحول الحراري ليست مجرد وهم، وكمّ التحذيرات هذا العام في ازدياد، ولا يمكن لأي أحد أن يتنبأ بما يمكن أن يصبح علينا الغد من طقس، أو سماء وأرض نقف عليها في اطمئنان، وجبت الجدية، ووجب أن تكون الأبحاث العلمية حقيقة، وذات تقييم لا يتلاعب به أهل المصالح، وجب التركيز على مستقبل غير متزعزع أو متهالك من كثرة التشويه والتأليب والتسويف، وجب أن نقدر نعم الله ونحقق أصل وجودنا في هذا الكون، وأن نكون أهل رحمة بالأمّ الأرض، حتى تستمر في احتوائنا متى ما بقيت الخليقة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw8chh8a

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"