متى تفطم اليابان نفسها عن الفحم؟

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق

ديفيد فيكلينغ *

أظهرت بيانات حكومية أن استهلاك الفحم في المملكة المتحدة، مهد الثورة الصناعية، انخفض العام الماضي إلى أقل من 10% من مستوياته قبل عقد من الزمن، متراجعاً بنحو الثلث أيضاً على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط. وفي إبريل/نيسان الماضي، انخفضت الطاقة الأحفورية ككل إلى 2.4% من توليد الكهرباء في البلاد، حسبما ذكر موقع «كاربون بريف» الإخباري.

وفي الولايات المتحدة، تراجع استخدام الفحم بنسبة 17% في 2023، مع توقعات بمزيد من الانخفاض يصل إلى 12% بحلول العام المقبل. أما في الاتحاد الأوروبي، فقد بلغ الانخفاض في توليد الطاقة من الفحم 26% العام الماضي.

ووسط كل هذه الصورة المشرقة للدول والاقتصادات المتقدمة، هناك استثناء واحد ملحوظ، وهو اليابان. ففي اجتماعهم الأخير في تورينو، وعد وزراء مجموعة السبع بالتخلص التدريجي من توليد الطاقة بالفحم بحلول عام 2035، وهو الهدف الذي ربما كان خيالياً قبل عقد من الزمن، ويبدو الآن بمتناول الجميع تقريباً. لكن اليابان لم تتمكن من التوقيع على البيان إلا من خلال تقديم الأعذار غير المبررة والمراوغة للتغطية على غياب أي استراتيجية جادة لفطم نفسها عن الوقود الأحفوري.

في السابق، لم تتضمن بيانات مجموعة السبع سوى إشارات غامضة نحو «قطاع طاقة خالٍ من الكربون بحلول عام 2035»، دون تحديد مواعيد نهائية صارمة للتخلص التدريجي من الفحم. ومع تسبب مصادر الطاقة المتجددة الرخيصة، وخصوصاً الغاز في الولايات المتحدة، في إزالة المزيد والمزيد من الكربون من مزيج الطاقة، ارتفعت الطموحات.

ومن المقرر أن توقف المملكة المتحدة تشغيل آخر محطات التوليد بالفحم في أكتوبر/تشرين الأول، ومن المقرر أيضاً أن يتم إيقاف تشغيل المحطتين الأخيرتين في فرنسا في نفس الوقت تقريباً، على أن تحذو إيطاليا حذوهما العام المقبل.

وبينما حددت كندا هدفها في 2030، يتعين على ألمانيا إغلاق محطات الفحم لديها بحلول عام 2038، وهي تأمل في تقديم ذلك الموعد إلى عام 2030. في المقابل، حددت وكالة حماية البيئة الأمريكية مؤخراً قواعد جديدة تُلزم من خلالها أي محطات كهرباء عاملة بالفحم تخطط لاستمرار أعمالها بعد عام 2039 بالتقاط 90% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2032.

ومع ذلك، يبدو أن اليابان تعيش في كوكب مختلف تماماً، إذ لا تزال تبارك افتتاح محطات جديدة. ففي يوكوسوكا، جنوب طوكيو، افتتحت شركة «جيرا»، أكبر منتج للطاقة في البلاد، وحدتين بقدرة 650 ميغاوات في يونيو/حزيران من العام الماضي. وفي ماتسوشيما، بالقرب من ناغازاكي، من المقرر أن تبدأ شركة تطوير الطاقة الكهربائية في وقت لاحق من هذا العام تجديد أحد مصانعها للعمل باستخدام الفحم المتحول إلى غاز، وهي تكنولوجيا لا تُبشر إلا بتخفيضات هامشية في الانبعاثات.

وبموجب خطة الطاقة الاستراتيجية للبلاد، سيظل الفحم يمثل نحو 19% من قدرات توليد الطاقة في عام 2030، ما ينتج عنه انبعاثات تعادل تلك الصادرة عن الأرجنتين أو الفلبين أو غرب إفريقيا بأكملها. ومع ذلك، قد تكون النسبة أقل من الرقم الفعلي إلى حد كبير، في ظل افتراضات تدور حول قدرة طوكيو على إعادة تشغيل المولدات النووية التي أغلقت بعد تسونامي توهوكو عام 2011، فضلاً عن النمو السريع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية والطاقة الحرارية الأرضية.

إذن، عندما تكون اليابان جادة بشأن سياستها في مجال الطاقة، فعليها وضع خطط حازمة، كما حدث في سعيها الأخير لحمل مستوردي الغاز الطبيعي المسال على التوقيع على اتفاقيات توريد تستمر لعقود من الزمن. ومع غياب مثل هذه العقود التي تناسب احتياجات البلاد المزعومة لتخزين الكربون وشراء الهيدروجين، تتكشف ورقة التوت الخاصة بسياسة التخلص التدريجي من الفحم.

وهذا فشل ليس فقط من حيث المناخ، بل أيضاً من حيث الأمن والاقتصاد الأساسيين. ففي وقت حيث يؤدي ضعف الين إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وإثارة التكهنات بأن الحكومة تتدخل في أسواق العملة، فإن الوقود الأحفوري لا يزال يمثل ما بين ربع إلى ثلث إجمالي فاتورة الواردات.

لطالما كان اعتماد اليابان على النفط والغاز والفحم المستورد مبعث قلق وطني لأكثر من قرن من الزمان، ولا تزال الحكومة تتعقبه من خلال تحليل نسبة الاكتفاء الذاتي الضئيلة من الطاقة في البلاد. ومع ترنح الدول الآسيوية على حافة الاضطرابات البحرية في المياه التي يمر عبرها ما يقرب من 85% من إمدادات الطاقة في اليابان، فقد أصبح الأمر أكثر خطورة من أي وقت مضى.

وحتى أستراليا تتجه نحو التخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2038. وعندما يحدث ذلك فإن اليابان ستجد نفسها، جنباً إلى جنب مع جارتيها تايوان وكوريا الجنوبية، بوصفها واحدة من الدول الغنية الوحيدة التي لا تزال تحرق الوقود الأكثر قذارة. وهذا ما سيؤدي إلى إفقار شعبها، ويخاطر بأمنها ويضر بالمناخ. ومع ذلك، لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار.

* كاتب عمود متخصص بتغير المناخ والطاقة «تايبيه تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yzsp8vkr

عن الكاتب

محرر مختص في قضايا السلع الاستراتيجية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب