كتب لا تدخلها بيتك..

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كتب مسمومة ؟؟.. أيعقل هذا؟، ولكن كيف؟.. وهنا ليس المثال ذلك الكتاب الذي سُمّمت أطراف أوراقه، وبعث به أحد الأباطرة لرجل كان يريد التخلّص منه (بالقراءة)، حين أخذ هذا بتقليب الصفحات وهو يضع أصبعه على الصفحة بشيء من رضاب فمه، ثم، هكذا، يتسلّل السم رويداً رويداً إلى أحشائه، فينتهي أمره، لا، ليس هذا هو الكتاب المسموم، فهناك، سمّ آخر أكثر فتكاً من سمّ الإمبراطور.. سمّ الفكر.

لن أسمّي كتاباً من هذا النوع لمؤلفة عربية باحثة في الأديان والميثولوجيات وأساطير المرأة عبر التاريخ، لن أسمّي الكتاب بعنوانه الصريح، لكي لا أثير فضولك، وتذهب إلى الكتاب، وتشتريه، فيدخل بيتك.

الكتب المسمومة بالفكر، والفلسفة، والأيديولوجيات، وحتى المسمومة أحياناً بالرواية والشعر والنقد كثيرة، وعديدة، شأنها شأن كثرة وعديد الطفيليات والبكتيريا والحشرات الصغيرة الماصّة لدم الإنسان الذي خلقه الله نقياً يجري في دورته الدموية مجرى ماء النهر الطاهر، فإذْ بكتاب مسموم يدمّر هذه الدورة النقية، ويحوّلها إلى وباء.

ليست أوبئة العالم محدودة في الطاعون، والكوليرا، والجدري، هناك طاعون آخر، وجدري أسوأ من جدري الجسد البشري. الجدري يشوّه وجه الإنسان، يترك ثقوباً وحفراً في البدن الذي خلقه الله في أحسن تكوين، لكن كتب السم تجدر المرء من داخله، تثقب روحه، وعقله، وكيانه الإنساني كلّه..

يتحدث كتاب (تاريخ الثقافة العالمية) عن أوّل ملك صيني (تشين شي هوانغ) في النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد، الذي كان يخشى انتفاضة من شعبه حين أصبحت الكتابة متداولة في فترة حكمه، عندها أمر هوانغ بحرق الكتب، ودفن 460 عالماً «لأنه خشي من أن الأفكار الخطِرة يمكن أن تشوّه النظام الاجتماعي».. نظام مملكته بالطبع.

مسكينة تلك الكتب التي حرقها الملك الصيني، ومساكين أولئك العلماء الذين دفنهم ربما وهم أحياء، فلم تكن تلك الثقافة مسمومة في الصين آنذاك، وإنما هي خشية الملك من الكتب تلك التي زرعت في رأسه (فوبيا الكتب)، أو لنقل، (فوبيا الفلسفة).

في كل الأحوال لا يتقبل العقل الحرّ حرق الكتب مهما كانت حمولتها الفكرية والفلسفية والعقائدية، لكن، حين يتشبع الفكر بالسمّ، ويصبح المؤلف مبيداً مثل أي مبيد حشري أو زراعي أو بيولوجي، ويصبح الكتاب سوسة تنخر العقل قبل الخشب، عندها لا يدخل بيتك مثل هذا الكتاب، وإن لم يمكن حرقه، فيمكن، إذاً، إبعاده، أو حذره، تماماً كالحذورات الإجرائية المتخذة ضد كل ما يخرّب العقل، ويجرح الرّوح..

كتب التعصب، والعنف البحثي والنقدي، كتب الفكر العنصري، من عنصرية اللون البشري إلى عنصرية النوع البشري (ذكر، أنثى).. هي بالمجمل كتب سامّة، تمهّل قليلاً قبل القراءة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/uh95ztda

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"