د. عبدالعظيم حنفي *
ينقسم كبار خبراء الاقتصاد الذين يعتقدون أن العمل الإحصائي قد ساعد في حل لغز النمو إلى فئتين كبيرتين، في أحد المعسكرين يوجد أولئك الذين يلتزمون في آرائهم التزاماً تاماً بالفرض الذي بني في النموذج الذي وضعه سولو وسوان عن النمو: وهو أن التقدم التكنولوجي يتحدد في المقام الأول عن طريق قوى- مثل المناخ الذي يؤثر في معدلات المرض، والموقع الجغرافي الذي يحدد تكاليف النقل، ومن ثم الميل إلى التجارة ) والمؤسسات وهي من صنع الإنسان، غير أنها ربما تستغرق عقوداً، إن لم يكن قروناً، لكى تتغير - خارج النظام الاقتصادي وليس لصناع القرار عليها سوى قليل من السيطرة، أو لا يسيطرون عليها على الإطلاق بشكل فوري.
وفي معسكر ثان فإن الاقتصاديين يقترحون أن التقدم التكنولوجي ذاتي النشأة، أي أنه يتحدد عن طريق قوى داخل النظام الاقتصادي نفسه، وليس من خلال عوامل خارجية تأتي من خارج النظام مثل المناخ والجغرافيا. وأحد مضامين السياسة غير المعلنة لهذا الرأي القائل بأن الاستثمار يولد آثاراً مفيدة وغير مباشرة هو أن الحكومات لها دور مهم بالفعل تلعبه في تشجيع النمو.
في نموذجه، تقدم بول رومر الحاصل على جائزة نوبل عام 2018، خطوة أخرى، فلاحظ أن التقدم التكنولوجي لم يكن ببساطة منتجاً ثانوياً، بل كان هو الهدف من النشاط الاقتصادي ذاته – إنه منتج متعمد لاستثمار الوقت والمال قام به أفراد وشركات يسعون إلى تحسين ما هو قائم بالفعل، وفي النهاية قاموا بتسويق ما ينجح من النتائج، وبهذا المعنى يشبه استثمار مؤسسات الأعمال في خلق المعرفة استثمارها في المعدات الجديدة التي تسهم في تشجيع المستخدمين على أن يكونوا أكثر إنتاجاً. بيد أنه خلافاً للاستثمار في المعدات الجديدة، التي لها نتائج يمكن التنبؤ بها بالنسبة لتحسين الإنتاجية، فإن الاستثمار في اكتشاف المعرفة، وما يلى ذلك من تسويقها إذا نجحت، محفوف بعدم اليقين، ولذلك لم يكن ثمة ما يدهش من أن العمل الإحصائي الذي حاول تفسير مصادر التقدم قد خرج بآراء متباينة، وجدل لايزال دائراً بشأن متغيرات معينة مثل الانفتاح على التجارة الخارجية.
إلا أن أحد المضامين الأخرى التي تفهم من عمل رومر هو أن التقدم التكنولوجي ليس من المحتمل حدوثه، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة، حيث لا يكون التقليد خياراً، إلا إذا تأكد الذين يقومون به أنهم سيحصلون على مكافأة. ومن ثم كانت أهمية المنافسة الناقصة، أو أي شيء آخر غير المثال التنافسي المتسم بالكمال، حيث يقوم كثير من الشركات بصنع منتج مماثل يتنافسون فيه بعيداً عن أي أرباح زائدة. فإذا لم تتوفر أرباح غير عادية للأفراد أو الشركات الذين يقفزون في المجهول متحملين مخاطرة تطوير وتسويق شيء جديد فلن يحدث عندئذ التطور التكنولوجي، وهذا هو السبب في أن الاقتصاديين عادة ما يدافعون عن أهمية إنشاء نظام فعال لحقوق الملكية الفكرية يمنح المبتكرين وضع الاحتكار لفترة محدودة من الزمن، أو لماذا ينبغي ألا تتنافس هياكل السوق بشكل كامل في الصناعات الحيوية، على الأقل من المدى القصير إلى المدى المتوسط. غير أنه إذا ما استمر التقدم التكنولوجي يتنافس بعيداً عن أي أرباح على المدى القصير قد يجعل الأرباح تختفي على المدى الطويل.
ويبدو أن هناك شبه اتفاق بين علماء الاقتصاد في كلا المعسكرين على أن البنى المؤسسية – مثل حقوق الملكية المنفذة بشكل جيد، وغياب الفساد – مهمة بالنسبة للنمو، ولكن المناقشات ستستمر بشأن إذا ما كانت النظم القانونية الأنجلو-ساكسونية، أو ما يسمى مدونة القانون المدني، أكثر فاعلية لتقدم النمو.
* كاتب مصري