سارة النعيمي*
إن الحديث عن مهارات الشباب في يومهم العالمي، ليس بالجديد من حيث الشكل، فالمهارات البشرية الخاصة ظهرت منذ فجر التاريخ، وهي التي طورت الصناعة والزراعة، وإنتاج الأدوات للصيد والبناء وتسهيل الحياة اليومية، لكن مع دخول القرن الحادي والعشرين، شهد العالم تحولات نوعية كبرى في طبيعة الاقتصاد وتنافسية الوظائف وريادة الأعمال والتخطيط لاقتصاد المستقبل.
من أهم هذه التحولات، التحول في عوامل نجاح الأعمال ونموها وتنافسيتها، ووصول الشباب إلى أسواق العمل وقدرتهم على التطور في وظائفهم، فلم تعد تلك العوامل مقتصرةً على الموارد المادية ورؤوس الأموال الضخمة، بل أصبحت، وبشكل أساسي، تعتمد على المهارات البشرية والمواهب والأفكار المبتكرة، والكثير من الأعمال في العالم التي ظهرت من فكرة لتحقق بمهارات أصحابها قيمة سوقية بمليارات الدولارات، وهو ما يعني أن الأمية في هذا الزمن لم تعد تقاس بغياب التعليم الأكاديمي ونقص الشهادات الجامعية فقط، بل أيضاً بنقص المهارات والمعارف المتجددة.
ويؤكد هذا التحليل حقيقتين: الأولى أن الفجوة العالمية بين الشباب وسوق العمل الحديث فجوة مهارات، والثانية، أن مراكز تأهيل الشباب بالمهارات، لم تعد مجرد مكون في المشهد الاقتصادي، بل أصبحت ضرورة تنموية، وشرطاً للتقدم، وعاملاً مركزياً في تعزيز مرونة الاقتصاد، لأنها تعمل بشكل رئيسي على توجيه بوصلة التنمية، بكل ما تعنيه من جهد وبرامج ومشاريع نحو مستقبل الشباب الذي يملك من الشغف ما يجعله يستحق أن يكون له مكان ودور في إرساء قواعد اقتصاد المستقبل.
في سياق التفاعل بين الحقيقتين، يجب أن ينصبّ اهتمام مراكز ومؤسسات تأهيل الشباب وتنمية مهاراتهم، على بناء ثقافة الريادة في التفكير والإدارة والتخطيط للمستقبل، وتعزيز الثقة باقتصادات المنطقة وأسواقها وبالقدرة على تنافسيتها أمام الأسواق العالمية المفتوحة، ومن ثم الدخول في بناء المهارات المعرفية والوظيفية، وتمكين الشباب بأدوات ترفع الاقتصاد وترتقي به نحو مستويات جديدة أكثر تقدماً.
إن الغاية الأساسية من بناء المهارات، أن تستجيب للاحتياجات والتحديات المحلية، وتجيب عن أسئلة التنمية والاستدامة والتقدم في اقتصاداتنا المحلية، لا أن تكون عامة أو منفصلة عن حراك الواقع؛ فلا قيمة للمهارات إن لم تستند إلى الثقافة والوعي، ولا قيمة لها أيضاً إن لم تكن محلية في ثمارها عالمية في طموحها.
نحن في الإمارات، دولة المهارات والطموح، التي حققت نجاحات تاريخية في زمن قليل، بحكمة قيادتها وإصرار شعبها، وصنعت اقتصاداً متنوعاً من حيث الثقافات والمناشئ والتجارب، ونستطيع القول إنها جذبت أهم الفاعلين الاقتصاديين من مختلف أسواق العالم، ليكونوا جزءاً من اقتصادنا المحلي، أما منطقتنا فباتت الأكثر جذباً عالمياً، وتبشر بأن تكون في المراكز الأولى في تأسيس الأعمال واستقطاب المهارات والمواهب من مختلف أنحاء العالم.
إن مسيرة بناء مهارات الشباب هي مسافتنا نحو المستقبل، باقتصاده المزدهر ومجتمعه الفاعل المنتج المتماسك، وبثقافته الرائدة، فكما يقولون دائماً: المستقبل يحدث الآن، والمستقبل يُصنع ولا يأتي من فراغ.
*المديرة التنفيذية لمركز الشارقة لريادة الأعمال «شراع»