نبيل العربي.. الرجل والتاريخ

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل العربي الدبلوماسي المصري والعربي الشجاع، صاحب الأفعال الوطنية، اتسقت مواقفه في الوقوف مع القضية الفلسطينية وعدالتها مع سجله الدبلوماسي والقانوني ممثلاً لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، ثم نيويورك خلال تسعينيات القرن الماضي، وعضواً في محكمة العدل الدولية ورئيساً لوفد مصر في معركة استعادة طابا.
تمازجت عنده نظرتان أساسيتان، الأمن القومي والقانون الدولي، بصياغة أخرى، الأمن القومي من منظور القانون الدولي.
في سجله الدور الذي لعبه قاضياً بمحكمة العدل الدولية عندما أصدرت حكماً تاريخياً بإدانة الجدار العازل.
قبل ذلك الحكم وبعده شنّت الولايات المتحدة وإسرائيل حملة دولية ضده تشكك في حيدته كقاضٍ دولي، تصدى للحملة عليه بالتضامن معه قضاة المحكمة الدولية قبل أن يصدروا حكمهم المدوي في يونيو 2004.
لم تكن مصادفة إسناد وزارة الخارجية إليه في مارس 2011، لكنه غادرها بعد أشهر قليلة أميناً عاماً لجامعة الدول العربية.
كان أداؤه لافتاً في ملفات المصالحة الفلسطينية بين حركتي«فتح» و«حماس» وأزمة مياه النيل وتخفيض التوتر مع إيران.
شارك في حدثين جوهريين بتاريخنا المعاصر، متابعاً وشاهداً، الأول، مستشاراً قانونياً للوفد المصري في مباحثات «كامب ديفيد»، والثاني، رئيساً للوفد المصري في معركة استعادة طابا.
قبل توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» في 17 سبتمبر 1978، سجل ملاحظات جوهرية عليها، في ذلك الوقت كانت قد تفاقمت حدة الخلافات بين الرئيس أنور السادات ووزير الخارجية محمد إبراهيم كامل حول الطريقة التي تجري بها المفاوضات أفضت إلى افتراق نهائي بالاستقالة.
لم يكن أحد آخر من أعضاء الوفد مستعداً أن يصحبه للقاء توقعوه عاصفاً وعصبياً، لكنه وجد في نفسه الشجاعة أن يذهب منفرداً للسادات، طالباً عدم التوقيع على الاتفاقية بالصيغة التي كتبت بها، كان ذلك موقف الوفد المصري كله.
لم يأبه السادات بملاحظاته القانونية قائلاً: «أنتم تنظرون إلى الشجرة أما أنا فأنظر إلى الغابة»، قاصداً أن خبراء وزارة الخارجية يستغرقون في التفاصيل التي تحجب الرؤية الكلية.
بدا السادات مستعداً أن يمضي إلى آخر الطريق منفرداً دون أن توقفه الاعتراضات الصاخبة في العالم العربي ولا امتناع أعضاء الوفد المصري عن حضور حفل التوقيع.
لم يتردد بنزاهة القاضي أن يحسب للسادات أنه لم يفصل أحداً من أعضاء الوفد من وظيفته الدبلوماسية، رغم ما أثاره غيابهم الجماعي عن حفل التوقيع من ظلال وتساؤلات نالت منه في الصحافة الأمريكية.
شخصية القاضي حكمت دوماً أحكامه على وقائع التاريخ الذي شارك فيه، تبدت تلك الحقيقة في معركة استعادة طابا.
نفى عن نفسه رغم رئاسته للوفد المصري أية بطولة فردية، أعاد الفضل إلى الأسلوب الذي اتبع من عمل جماعي وتكامل كفاءات وخبرات.
في مذكراته «صراع الدبلوماسية»، سجل حزنه من أنه قد تم تجاهل أبطال الحدث من مفاوضين مصريين عند رفع العلم فوق طابا.
إنه رجل يعرف ماذا يتوجب عليه أن يفعل، ومتى يتعين عليه أن يغادر؟.
لم تكن هناك مفاجأة في طلبه عدم التجديد له أميناً عاماً للجامعة العربية لخمس سنوات أخرى أسوة بأسلافه، معلناً أنه سوف يغادر منصبه عند نهاية ولايته الأولى في يوليو 2016، حينها تبدى أمامه سيناريوهان رئيسيان لحركة الحوادث:
الأول، أن تفضي إلى توزيع جديد لموازين القوة والنفوذ في الإقليم، بحيث يصعب أن تكون هناك بالأساس منظمة قومية تعبر عن عالم عربي متماسك تجمعه أهداف ومصالح مشتركة.
الثاني، أن تفضي حركة الحوادث إلى تمزيق في خرائط المشرق العربي تمتد إلى دول أخرى على أسس طائفية وعرقية يصعب بعدها الحديث عن أي نظام.
لم يُخفِ انزعاجه من كلا السيناريوهين في حوار مطول بمنزل الأستاذ محمد حسنين هيكل على نيل الجيزة، شارك فيه الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، وعدد من الوزراء المحسوبين على تياره أهمهم وزير الإعلام غازي العريضي، ونخبة من كبار الصحفيين المصريين.
لعله استقرت في أعماقه بأثر ذلك الحوار أنه يتعين عليه أن يغادر موقعاً لا يستطيع أن يوقف نزيف العالم العربي.
في محاولة جادة، لم يكتب لها النجاح، حاور عدداً من المثقفين حول تجديد الجامعة العربية وإضفاء طابع ثقافي وشعبي عليها.
شارك في ذلك الحوار صديقاه الحميمان جلال أمين وجميل مطر وبعض كبار معاونيه في الجامعة العربية.
وقد كنت حاضراً ومشاركاً مقتنعاً بجديته، لكن حقائق النظام العربي الرسمي حالت دون أي إصلاح، لكن يحسب له بأي حساب شرف المحاولة وشجاعة الاستقالة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n9awpcp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"