د. محمد سيف الجابري*
تحت عنوان «التكاتف لدفع التحديث وبناء تجمع صيني إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك»، انفضت القمة الصينية الإفريقية «فوكاك 2024» بحضور ممثلي خمسين دولة وبما يزيد على 350 شخصية تمثل الصين والدول الإفريقية ومنظماتها الإقليمية، في أجواء تعبر عن تحقيق بعض النجاحات وهو ما أوضحه بيان وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، في بيان القمة الختامي الذي أكد على تحقيق القمة لعدة نجاحات، حتى أن العلاقات الصينية الإفريقية تحولت من النطاق الدبلوماسي إلى نطاق العلاقات الاستراتيجية.
شهدت العلاقات الصينية الإفريقية تطوراً سريعاً خلال العقدين الأخيرين، خاصة في المجال الاقتصادي، حيث تفضله الصين طريقاً سهلاً ومقبولاً في تعاطيها مع الدول النامية، سواء في صورة التبادل التجاري أو القروض أو المنح والعطايا الاستثمارية، والتي تتميز بعدم المشروطية السياسية وهو ما يميزها عن مثيلاتها الغربية ويجعلها مقبولة لدى المجتمعات الإفريقية الفقيرة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي وييسر مهمة الفاعل الصيني في اختراق تلك المجتمعات حتى صارت الشريك التجاري الرئيسي للقارة السمراء، حيث تعتبر بكين علاقاتها مع الأفارقة جزءاً مهماً من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم وأن تكون مرتكز الدائرة لتلك الدول ضمن مفهوم قوتها الناعمة والهادئة.
«إن الزهور في الربيع تتحول إلى ثمار في الخريف، والحصاد الوافر هو بمثابة مكافأة للعمل الجاد».. تلك هي الكلمات التي استهل بها الرئيس الصيني شي جين بينج خطابه في افتتاح القمة، والتي عبرت عن مدى نظرته إلى التطور السريع والمثمر في علاقات بلاده مع إفريقيا.
جاء ذلك التطور سريعاً بعد انطلاق «فوكاك FOCAC» عام 2000 ولم يأت عام 2009 حتى صارت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا متخطية الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن استحوذت على حوالي 20% من حجم تجارة إفريقيا الخارجية، حيث وصل حجم التبادل التجاري إلى ما يزيد على 282.1 مليار دولار في نهاية 2023، في حين بلغ في النصف الأول من 2024 حوالي 167 مليار دولار.
وبلغ حجم الاستثمار المباشر للصين حوالي 40 مليار دولار في نهاية نفس العام حسب ما أورده تقرير اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أما في مجال القروض فقد قفزت القروض التقليدية التي تقدمها البنوك الصينية إلى إفريقيا من 98 مليون دولار عام 2000 إلى 29 مليار دولار خلال عام 2016، ما جعلها أكبر دائن باتفاق ثنائي في العالم للقارة السمراء، ثم انخفضت تلك القروض إلى 4 مليارات دولار في عام 2023.
ولأن إفريقيا ذات أهمية أساسية للصين أولاً من حيث إمكانية الوصول إلى المواد الخام الضرورية للنمو الصيني، وأيضاً كونها سوقاً واسعة لصادراتها، لذلك تسعى إلى زيادة تموضعها السياسي هناك ومخاطبة الضمير الإفريقي المحمل بمدركات سلبية عن المستعمر الغربي بالحديث عن إصلاح المؤسسات الدولية وتمجيد السيادة الوطنية التي أعيد اكتشافها بعد الخروج الاستعماري الغربي من ربوع القارة، وتضامنها مع دول الجنوب بالمواقف الاقتصادية والوعود الإنمائية وهو الحديث الذي يشنف آذان الأفارقة.
لكن السؤال هو: ماذا يريد الأفارقة من الصين؟
لقد أظهرت الصين تفهماً لانشغال الأفارقة بقضية دعم صادراتهم ومشاكل التصنيع ونقل وتوطين التكنولوجيا ومواجهة تغيرات المناخ وانعكاساتها على الأمن المائي والغذائي ومشكلة التمويل لتحقيق التنمية، وشكلت الصين بمقتضى هذا التفهم عدة مبادرات تبناها الأفارقة مثل مبادرة التنمية الدولية والأمن المائي والحضارة العالمية، كذلك تبنت هذه القمة خطة عمل مرحلية (2024 2027) لمتابعة تنفيذ مخرجات قمة 2024 والتحضير لقمة 2027 من خلال عمل لجان المتابعة ومخرجات اجتماعات الأكاديميين ورواد الأعمال. بيد أن القضية الأهم في نظر الأفارقة كانت تلك التي عبر عنها سيريل رامافوزا، رئيس دولة جنوب إفريقيا فيما يخص إيجاد حلول سريعة لأزمات الديون المتنامية لكل دول القارة، كما عبر رامافوزا عن مطلب إفريقي عام بتضييق العجز التجاري بين بكين والدول الإفريقية حيث تعهدت بكين في قمة داكار 2021 بشراء ما قيمته 300 مليار دولار من السلع الإفريقية وكذا إزالة الحواجز الصارمة التي تفرضها بكين على المنتجات الغذائية الإفريقية.
أما في المجال السياسي والدولي فتطمح إفريقيا إلى تبني بكين لرؤيتها لبناء عالم متعدد الأقطاب وحق الأفارقة في مقعد دائم في مجلس الأمن بعد إصلاح الأمم المتحدة ومعارضة الاستعمار بأشكاله الجديدة وعدم تسييس القضايا النبيلة كحقوق الإنسان.
في المقابل ماذا تريد الصين من الأفارقة؟
تنظر الصين إلى القارة السمراء باعتبارها أهم مورد للمواد الخام اللازمة لاستمرار تحقيق نموها الاقتصادي المتسارع وكذلك بوصفها سوقاً واسعة لتصريف منتجاتها خاصة البسيطة والرخيصة، إلا أن الصين كانت حريصة في الآونة الأخيرة على إعادة تنظيم علاقاتها مع اقتصاديات الدول النامية خاصة في مجال القروض والمحفظة الاستثمارية الهادفة إلى التحول من مشروعات البنية التحتية باهظة الثمن إلى المشاريع الصغيرة.
في المحصلة الأخيرة تعتبر العلاقات الصينية الإفريقية خاصة في مجالها الاقتصادي نموذجاً للتكامل بين القارات وباستفادة متبادلة إلى حد جيد، والأهم انعدام مشروطية ما يقدمه الصينيون للأفارقة وهو ما بات يؤرق القوى الغربية من القبول الإفريقي للاختراق الصيني لقارتهم الغنية والمهمة.
* خبير متخصص في الشؤون الإفريقية