أزمة فرنسا وسيف ديموقليس

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب
منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، يحاول رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشيل بارنييه أن يكون واقعياً ويجابه مستويات لا حد لها من التحديات، وهدفه تحقيق الاستقرار السياسي وإصلاح المالية العامة، واستعادة سمعة فرنسا كقوة قائدة للاتحاد الأوروبي، وهي غاية لا تبدو يسيرة المنال في ظل الاقتتال السياسي الدائر بين الأحزاب الممثلة في الجمعية الوطنية.
يعرف بارنييه أن مهمته ليست سهلة، وأن أيامه على رأس الحكومة قد تكون معدودة، ولذلك يتعامل بحذر مع الموضوعات المثيرة للجدل مثل تشديد سياسات الهجرة ومراقبة الحدود ورفع الضرائب والحد من التضخم، وهو لن يستطيع تحقيق اختراق إلا إذا نجح في التأليف بين القوى السياسية المتنافرة. ورغم ما يروى عن مهاراته وفنونه التفاوضية العالية، باعتباره مفاوضاً سابقاً للاتحاد الأوروبي في ملف «بريكست» البريطاني، فقد عجز حتى الآن عن اكتساب حزام سياسي متين يضمن له المرونة في العمل.
ففي أول خطاباته أمام النواب الفرنسيين، أكد بارنييه أن إصلاح المالية العامة المتدهورة يتطلب «جهداً جماعياً» يستمر لسنوات، وأعلن عن زيادات ضريبية «مؤقتة ومستهدفة» على الشركات الكبرى والأثرياء، وتحدث عن مشكلة الديون الضخمة، التي اعتبرها مثل «سيف ديموقليس فوق رؤوس الفرنسيين»، وهو تشبيه له دلالات عن الخوف الكبير من ارتفاع تكاليف الفائدة السنوية التي باتت تهدد الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والدفاع.
الحديث عن «سيف ديموقليس» جعل من خطاب بارنييه مباشراً وصريحاً بإقراره أن فرنسا على حافة الهاوية، بينما يعج الشارع بعشرات التظاهرات العمالية المنددة بسياسة الحكومة الاقتصادية والمطالبة بإلغاء إصلاح نظام التقاعد وزيادة الأجور. ومثل هذه التظاهرات الغاضبة مازالت في بداية الموسم السياسي، ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع والأشهر المقبلة تصعيداً جماهيرياً كبيراً من جانب القوى اليسارية التي تشكو من «سرقة نتائج الانتخابات» بعدما أقدم الرئيس إيمانويل ماكرون على تكليف بارنييه بتشكيل الحكومة بدل مرشحة «الجبهة الشعبية الجديدة»، الفائزة بالانتخابات، لوسي كاستيه.
هذه الأجواء المشحونة تعني أن الأزمة السياسية في فرنسا على أبواب مرحلة جديدة من التجاذب الشديد، وهناك ما يرى أن مدة بقاء بارنييه في منصبه قد لا تتعدى 44 يوماً، وهي الفترة التي قضتها نظيرته البريطانية السابقة من حزب المحافظين ليز تراس أواخر عام 2022، وما يدفع إلى هذه الفرضية أن الشارع السياسي الفرنسي قد يشهد بعض الانفلات في الفترة المقبلة مع اقتراب فصل الشتاء وبقاء الأزمة الاقتصادية دون حلول ترضي الشرائح الاجتماعية التي انتخبت أقصى اليسار واليمين المتطرف، وهي شريحة تمثل الغالبية المطلقة ولا تنظر بعين الرضى إلى بارنييه ورئيسه ماكرون اللذين بدأت بعض الأصوات تطالب باستقالتهما معاً.
وتذهب أصوات أخرى أبعد من ذلك بالدعوة إلى التفكير في تغيير النظام والتفكير في أسس لجمهورية سادسة بدل الخامسة التي تجاوز عمرها 64 عاماً، ولم تعد صالحة للعصر الحالي. وإذا كان من دلالة لهذه الدعوة فلا تعني أن النظام السياسي فاشل ولا يواكب التحديات، وإنما تؤكد أن الأزمة الفرنسية عميقة وباتت تضرب بجذروها في بنية الدولة، ولم تجد النخبة القادرة على تشخيص المشكلة واجتراح الحلول.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ammv8zm

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"