د. صلاح الغول*
ماذا سيحدث في حرب أوكرانيا لو فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟ بطبيعة الحال، قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من تشخيص الوضع الراهن للحرب الروسية-الأوكرانية وهو الأمر الذي فعلناه في المقال السابق. وللتذكير، يسود نمط الحرب الموضعية جبهات القتال الرئيسية والفرعية سواء في شرقي أوكرانيا أو جنوبيها أو في منطقة خاركيف بالشمال الشرقي أو في مقاطعة كورسك الروسية (جنوب غرب). ولكن القوات الروسية تُحقق مكاسب «يومية» ثابتة ومتزايدة في الجبهة الشرقية الرئيسية، وتتقدم نحو مدينة كوبيانسك ذات الأهمية اللوجستية في مقاطعة خاركيف، وتشن هجوماً مضاداً في مقاطعة كورسك ضد القوات الأوكرانية، التي خسرت أكبر مساحة من الأرض منذ سبتمبر (أيلول) المنصرم.
ويزيد هذا النمط من القتال «الموضعي» سوء حالة الاستنزاف بين الطرفين جرّاء تبادل الضربات الجوية والصاروخية ضد مرافق البنية التحتية والأهداف العسكرية واللوجستية. بادئ ذي بدء، يُلقي ترامب باللوم جزئياً على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وعلى الرئيس جو بايدن. وفي حين يصف ترامب الرئيس الأوكراني بأنّه «واحد من أعظم مندوبي المبيعات»، فإن لدى ترامب تصورٌ إيجابي عن الرئيس بوتين بل إعجاب شخصي به؛ فهو رجل قوي، يدافع عن مصالح بلاده. ويزعم ترامب أنّه لو كان في منصبه عام 2022، ما اندلعت هذه الحرب من الأساس. وتعهد، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية الحالية، بأنّه سوف يوقف الحرب في مدة 24 ساعة، وسوف يفعل ذلك قبل يوم التنصيب في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. بعبارةٍ محددة، يؤكد ترامب أنّ هذه الحرب يجب أن تنتهي فوراً لأنها تستنزف الاقتصاد الأمريكي، وتحرف اهتمام واشنطن عن التهديد الرئيسي الذي تواجهه لقيادتها الدولية، وهو تنامي صعود الصين وزيادة تحديها للنفوذ والمصالح الأمريكية. وانتقد ترامب الحجم الكبير للمساعدات (العسكرية والتنموية والإنسانية) الأمريكية المقدمة لأوكرانيا، التي بلغت منذ 24 يناير (كانون الثاني) 2022 حتى 31 أغسطس (آب) 2024 نحو 84.7 مليار دولار، منها 67% مساعدات عسكرية.
ورغم تأكيد جون بولتون، الذي كان مستشار الأمن القومي لترامب (2018 -2019 )، أن كلاً من ترامب ونائبه جي دي فانس «غير مهتمين، أو يظهران ازدراءً علنياً، لمساعدة كييف»، أوضح ترامب أنه لا يعارض مساعدتها من حيث المبدأ، بل أظهر تعاطفاً تجاه الشعب الأوكراني. بيد أنه في حالة عودته للبيت الأبيض، سوف يقيد، بالقطع، دعم بلاده لأوكرانيا إلى حدٍ كبير، وسوف يستخدم المساعدات ورقة ضغط سياسية على أوكرانيا للقبول ببدء التفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب. ويقودنا هذا إلى الحديث عن آفاق التسوية السلمية للحرب في حال فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية. وفي هذا الخصوص، أشارت تقارير إعلامية إلى وجود بوادر لمبادرة تسوية سياسية للحرب في حال عودة ترامب للحُكم تهدف «إلى وقف إطلاق النار كخطوة أولى ثم فتح قنوات التفاوض بين الجانبين دون شروط مسبقة، والتركيز على الجوانب الإنسانية، خاصة ما يتعلق منها بتبادل الأسرى وتأمين عودة الناس إلى الحياة العادية في مناطق الاشتباك الحالي، في مرحلة أولى، ثم التفاوض على بقية الملفات الخلافية». كما لمّح مقربون من ترامب إلى خطة يقترحها، يتم بموجبها الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق الشرقية من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وذلك عن طريق الضغط على الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، لقبول الدخول في مفاوضات سلام مع روسيا لإنهاء الحرب. ولكنّ الأقرب للتصور هو إعلان ترامب عن صفقة سياسية كبرى لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، تتضمن منح إقليم الدونباس الأوكراني (بمقاطعتيه دونيتسك ولوهانسك) استقلالاً ذاتياً واسع النطاق، أو ربما تحويله إلى إقليم فيدرالي في دولة فيدرالية أوكرانية على نمط نموذج إقليم كردستان في العراق، وانسحاب القوات الروسية والأوكرانية إلى حدود ما قبل 22 فبراير (شباط) 2022، وتعهد روسي باحترام سيادة أوكرانيا؛ ما يعني إلغاء قرار موسكو بضم المقاطعات الأربع في شرق وجنوب أوكرانيا (مقاطعات دونيتسك ولوهانسك وزابوروجيا وخيرسون). وفي مقابل ذلك، سوف يتم رفع العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، وإعادة تطبيع العلاقات الأمريكية-الروسية، والاعتراف بمصالح روسيا في أوكرانيا ما يعني التعهد بعدم انضمامها لحلف الناتو.
ومن المتوقع أن تحدث مبادرة التسوية التي يجري الحديث عنها إذا فاز ترامب انقساماً في الجبهة الغربية المساندة لأوكرانيا، لاسيما بين أعضاء حلف الناتو، الذّي يتخذ ترامب موقفاً حاداً تجاهه على أي حال، وزيادة احتمالات تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين وذلك لأنّ الأولى سوف تتفرغ للصراع مع بكين.
[email protected]
*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
https://tinyurl.com/yny72hut