ما جرى في سوريا ليس مفاجئاً فحسب، إنما هو أمر صادم بكل المقاييس، ويحمل الكثير من التساؤلات بمقدار ما يحمل من المخاطر على هذا البلد العربي وعلى المنطقة كلها، فسوريا كانت على الدوام في صلب الأحداث، وموقعها الجيوسياسي يجعل الأحداث فيها تؤثر على جميع جيرانها بلا استثناء، والقوى الإقليمية التي تتعارض في مصالحها وأجنداتها ومشاريعها السياسية.
ولذلك وبغض النظر عن الموقف من النظام الذي كان قائماً في دمشق، إلا أن سقوطه بهذا الشكل يُعد لحظة فاصلة في تاريخ البلاد والمنطقة بأسرها، وسيتبعه بكل تأكيد تغيرات جذرية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
والتساؤلات حول ما جرى كثيرة تبدأ باختفاء أي دور جدي للجيش السوري، ولا تنتهي بما يشاع عن اتفاق بين أطراف دولية وإقليمية لتسليم سوريا إلى المعارضة وإنهاء حقبة طويلة من التاريخ السوري بكل ما يحمله من معانٍ سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، وتدمير سوريا وإعادة تشكيلها بما يراعي المقاييس الأمريكية، في ظل العربدة الإسرائيلية المغطاة بغطاء أمريكي ودعم استعماري غربي، تماماً كما جرى بالنسبة للعراق وليبيا، وقد يجري في دول عربية أخرى.
تساؤلات كثيرة يفرضها الحدث السوري الذي يمكن وصفه بالزلزال ليس في سوريا وإنما في المنطقة كلها، أما آثاره فإنها بالتأكيد ستكون كبيرة وصادمة على كل الصُعد والمستويات، فعلى الصعيد المحلي قد تواجه سوريا صراعات داخلية بين القوى المشكلة للمعارضة التي ما تزال تفتقر إلى رؤية موحدة لمستقبل البلاد، ما قد يجر إلى الفوضى وحتى الانزلاق نحو الحروب الأهلية لا قدر الله، لا سيما بسبب خلفياتها السياسية المتناقضة، رغم اشتراكها في الحرب ضد السلطة السياسية السابقة في سوريا، وبالتالي فإن أهم تحدي تواجهه المعارضة هو القدرة على تفادي الاقتتال فيما بينها خاصة أنها تضم طيفاً واسعاً من عدة توجهات، ولها مرجعيات خارجية أيضاً قد تمهد الطريق أمام التدخلات الخارجية، سواء تلك التي قد يدعي أصحابها المساعدة أو تلك التي ستنتهز ما يحدث في سوريا لتمرير مخططات كانت تعد لها.
ومن هذه التدخلات الخارجية ما تقوم به «إسرائيل» التي قامت باحتلال المنطقة العازلة بن سوريا وإسرائيل المقامة منذ العام 1974 ناهيك عن الاعتداءات الجوية الكثيفة على الأراضي السورية، واستهداف القوات والمقدرات السورية، في ظل تنسيق إسرائيلي أمريكي يعد أحد المحاور الرئيسية في السياسة الأمريكية في سوريا، بحجة مراقبة الترسانة العسكرية السورية، وضمان عدم وقوع أسلحة متطورة في أيدي الفصائل المتشددة، وهو ما بررت به إسرائيل عدوانها الواسع على سوريا والذي يستهدف المقدرات العسكرية والاقتصادية والعلمية لهذا البلد العربي، وكأن الديمقراطية التي يريدونها لسوريا تأتي من خلال تدمير المطارات والمصانع والجيش السوري ومقدرات الدولة السورية، بل واحتلال أجزاء من الأراضي السورية.
وهنا لا بد من الحديث أيضاً عن الدور التركي حيث ستسعى أنقرة إلى استغلال الواقع الجديد لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، ناهيك عن أطماعها في بعض المناطق في شمال سوريا ولا سيما حلب، ولا أدل على ذلك أكثر من تصريح دولت بهجتي زعيم الحركة القومية وحليف أردوغان ومن على منصة البرلمان بأن حلب وكركوك والموصل أراضِ تركية، مستعيداً ميثاقاً يتضمن خارطة وضعها أتاتورك للدولة التركية هي ذاتها الحدود القديمة للدولة العثمانية.
أضف إلى ذلك الأطماع الأمريكية الواضحة ولاسيما في الثروة النفطية السورية، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب خلال فترة حكمه السابقة عندما قال في أواخر عام 2019: إن الولايات المتحدة وضعت النفط في سوريا تحت سيطرتها وبات بمقدورها التصرف به كما تشاء.
أمام كل ما يحدث تبدو التحديات التي تواجهها القيادة السورية الجديدة بغض النظر عن خلفياتها الفكرية والعقائدية المعروفة كبيرة ومعقدة جداً، ويزيدها تعقيداً محاولات إسرائيل إرباك المشهد السوري مستغلة تلك الفرصة التي أتاحتها التغيرات الدراماتيكية المفاجئة في سوريا.
زد على ذلك أن هناك الكثير من التحديات والملفات الشائكة التي تنتظر التعامل معها وإيجاد حلول جذرية لها، ومن هذه الملفات تشكيل حكومة مقبولة وصياغة الدستور ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وقضية اللاجئين وإعادة الإعمار بالإضافة إلى قضية الوجود العسكري الأجنبي في سوريا وغيرها من الملفات الشائكة، والتي تحتاج لإمكانات وجهود هائلة لا ندري ما إذا كان بمقدور السلطة الجديدة توفيرها في بلد أنهكته الحروب وصراعات داخلية نمت بذورها في بساتين ما يسمى«الربيع العربي».
أخيراً يمكن القول: إن ما يجري في سوريا وبشكل متسارع جداً لا يترك المجال لتحليله بسهولة لكن مقبل الأيام قد يكشف الكثير من الحقائق الغائبة أو المغيبة عن عمد.
https://tinyurl.com/bdd59ymk