من قصص عدله، صلى الله عليه وسلم، أنه كان لرجل من بني ساعدة ديْنٌ من التمر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجاء يطلبه، ولم يكن عند النبي، صلى الله عليه وسلم، ما يقضي به ديْنه، فطلب من رجل أنصاري أن يسد عنه ديْنه، فأعطى الأنصاري للرجل تمراً أقل من حقه، فرفض الرجل أن يقبله، فقال الأنصاري: أتردُّ على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ (أي: أترفض أن تأخذ ما أمر به رسول الله؟) فقال الرجل: نعم، ومَن أحق بالعدل من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فدمعت عينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «صدقَ، ومَن أحق بالعدل مني، لا قدَّسَ الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها، ولا يُتعتِعُه (أي: يقلقه ويزعجه)». ثم أرسل، صلى الله عليه وسلم، إلى خولة بنت قيس زوجة حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنها، واقترض منها تمراً قضى به ديْنه للأعرابي، وأحسن إليه.
يُرْوَى أنه كان بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأُبَيّ بن كعب، رضي الله عنهما، خصومة، فذهبا إلى زيد بن ثابت، رضي الله عنه، ليحكم بينهما، فرحَّب بهما زيد، وأدخلهما، ووسَّع لعمر ليُجلسه في مكان مميَّز، وقال: اجلس هاهنا يا أمير المؤمنين. فقال له عمر: هذا أول جَوْر (ظلم) جُرتَ في حكمك، ولكن أجلسُ مع خَصمي. وجلس الخصمان معاً أمام زيد، فادَّعى أُبَيّ شيئاً، وأنكر عمر، وفي مثل هذه الحالة على المُدَّعِي أن يأتي ببيِّنة، وعلى مَن أنكر أن يُقسم، عندئذٍ قال زيد لأُبَيّ: اعفِ أمير المؤمنين من اليمين، وما كنتُ لأسألها لأحد غيره. ولكن عمر رفض وحلف اليمين، ثم قام غاضباً لأن القاضي يفرق بينه وبين خَصمه، وأقسمَ ألا يتولى زيد القضاء، حتى يكون عمر ورجل من عموم المسلمين سواء، لا فرق بينهما.
حرص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضوان الله عليهم، على تطبيق العدل بين الناس لا فرق بين مسلم وغير مسلم، شريف أو وضيع، غنيٍّ أو فقير، وليس أدل على ذلك من قصة المرأة المخزومية التي سرقت، وأراد أشراف قريش ألا يطبقوا عليها الحد، وعرضوا على أسامة بن زيد، رضي الله عنه، أن يشفع لها عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه العفو عنها، وذلك لمنزلة أسامة عند رسول الله، فلما ذهب أسامة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكلَّمَه في أمر المرأة المخزومية، غضب رسول الله، وقال لأسامة: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ثم قام خطيباً، فقال: أيها الناس، إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايمُ الله (أقسم بالله) لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها».
العدلُ: اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته العُلى، أمر الله به أنبياءه وصالحي عباده، وهو إعطاء كل ذي حق حقه، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» (النحل: 90) وقال جلَّ شأنه: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» (النساء: 58)، والأمر بالعدل يكون بين الناس جميعاً بغض النظر عن جنسهم أو معتقدهم أو انتمائهم، بل العدل يكون حتى مع الأعداء، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (النساء: 135)، وقال سبحانه وتعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة: 8).
حذر المولى، سبحانه وتعالى، من الظلم، فالله تعالى قد حرَّم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس مُحرَّماً، عن أبي ذر، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: يقول الله عزَّ وجلَّ: «يا عبادي، إني حرّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم مُحرماً فلا تظالموا». والظالم مطرود من رحمة الله، قال تعالى: «أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (هود: 18). كما حذَّر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الظلم، فقال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».
أما قصة عدل صاحبه، صلى الله عليه وسلم، أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، فقد أعلنها يوم أن تولى الخلافة، قائلاً: «أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله».
كما أن العدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «مَن كان له زوجتان فمالَ إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشِقه مائل».
قصة عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يُضرَب بها المثل، فقد حقق العدل والأمان لرعيته، وليس أدل على ذلك مما يُرْوَى أن رسول ملك الروم جاء ذات يوم لمقابلة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث دخل الرجل المدينة، وسار في طرقاتها، يسأل الناس عن قصر الملك، فأفهمه الناس أن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لا يعيش في قصر، وليس له حُراس.. وساروا معه حتى وصلوا إلى شجرة كبيرة، وأشاروا إلى النائم تحتها، فتعجَّب الرجل، فلما اقترب من عمر، رضي الله عنه، وجده نائماً على الأرض، وقد وضع بُردة كالوسادة تحته، فازداد عجب الرجل، وقال لعمر: إنني رسول قيصر إليك، جئت أظنك ملكاً كملوكنا، لك قصر وحاشية، وحرَّاس يسيرون خلفك أينما حللت، ولكنك يا عمر «حكمتَ فعدلت، فأمنتَ فنمت».
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا






