د. صلاح الغول
يُجسد الذكاء الاصطناعي ازدواجية، ربما أكثر من أي تقنية ناشئة أخرى، تتعلق بالفرص الهائلة التي يتيحها لتحسين جودة الحياة في المجتمعات المعاصرة، من الرعاية الصحية والزراعة والصناعة إلى الخدمات المالية والتعليم والمخاطر التي يحملها، حيث يمكن استخدامه لغايات خبيثة أو يكون له عواقب سلبية غير مقصودة.
وتتجلى هذه الازدواجية أكثر ما تتجلى في الإنترنت، حيث يمثل النشاط الإرهابي المتزايد تحدياً متزايداً، أصبح مرادفاً تقريباً للإرهاب الحديث، فهناك الآلاف من المنصات والمواقع الإلكترونية التي تتضمن محتوى إرهابياً أو تروج لأفكار وأيديولوجيات راديكالية.
فعلى مدار عامين فقط، أزال فيسبوك أكثر من 26 مليون محتوى إرهابي، من جماعات مثل تنظيمي «داعش» و«القاعدة»!
والواقع أنّ الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تُعد أدوات قوية تستخدمها التنظيمات الراديكالية والإرهابية، تُمكنها من التواصل مع الشباب ونشر رسائلها وجمع الأموال وتجنيد المؤيدين والتحريض على الهجمات وتنسيقها واستهداف الأشخاص المعرضين للخطر وهذا واضح في الدور الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحول إلى الراديكالية ومساعدة الذئاب المنفردة في تشكيل أيديولوجياتهم، بل وفي رسم تكتيكاتهم وطرائقهم في تنفيذ عملياتهم الإرهابية.
وبالتالي، فإن أي محاولة لتوظيف التقنيات التي تدعم الذكاء الاصطناعي يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع الجهود المبذولة لمنع إساءة الاستخدام المحتملة من قبل الإرهابيين.
والسؤال الآن: كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة تهديد الإرهاب عبر الإنترنت؟
ينطوي استخدام الذكاء الاصطناعي على إمكانات كبيرة للإسهام في مكافحة الإرهاب عبر الإنترنت. ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً بشكل خاص في دعم جهود إنفاذ القانون في التعامل مع الكميات الكبيرة من البيانات التي تم جمعها من خلال تصنيف الإدخالات الجديدة، واستنباط أنماطها والإبلاغ عن المعلومات المهمة أو التطورات أو العلاقات، وتصور النتائج ويمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تُساعد في إيجاد أنماط وعلاقات قد تظل غير معروفة وبالتالي يمكن أن تفيد بشكل كبير وكالات إنفاذ القانون في تعزيز مكافحة الإرهاب عبر الإنترنت.
وفي حين أن إزالة المحتوى الإرهابي والمتطرف العنيف من الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون فعالاً إلى حد ما في منع انتشار الروايات الضارة، إلا أنه مثير للجدل بشكل استثنائي ويثير مخاوف خطيرة بشأن حقوق الإنسان، علاوة على ذلك، من المهم ملاحظة أن إزالة المحتوى لا تسهم بأي شكل من الأشكال في معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، وتترك الأفراد المعرضين للخطر على حالهم وهنا، يمكن استخدام طريقة إعادة التوجيهRedirect Method، التي تنشر التقييم الآلي للمخاطر والبرمجة اللغوية العصبية، لتحديد هؤلاء الأفراد بناء على سلوكهم في البحث عبر الإنترنت.
وبالإضافة إلى تحديد الأفراد المعرضين للخطر، يمكن أن تلعب خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) والتعلم الآلي دوراً أكثر استباقية في مكافحة الإرهاب عبر الإنترنت. يمكن أن تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك المستخدمين وتوجيههم إلى محتوى محدد يفضي إلى مكافحة الروايات والبروباجندا الإرهابية وفي هذا الخصوص، يستخدم معهد الحوار الاستراتيجي ومقره لندن أدوات إعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمواجهة روايات داعش عبر الإنترنت.
إن إمكانية الذكاء الاصطناعي للعب دور في مكافحة الروايات الإرهابية عبر الإنترنت واضحة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى الأفراد والجماعات المعرضة للخطر ومع ذلك فإن أدوات الذكاء الاصطناعي المعنية لا يمكن أن تكون سوى جزء واحد من الحل وذلك أنّ مواجهة الروايات الإرهابية على الإنترنت تتطلب فهماً أكثر دقة لمسارات الأفراد إلى التطرف من التي يمكن أن توفرها هذه الأدوات.
كما ينبغي لوكالات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب أن تطور معارفها الداخلية وقدراتها التقنية قدر الإمكان لتمكينها من ممارسة السيطرة الكاملة على نظامها وإجراء التعديلات حسب الاقتضاء، كما يجب على وكالات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب الانخراط بشكل وثيق مع صناعة الذكاء الاصطناعي ومجتمع البحث لبناء معارفهم وفهمهم وينبغي تشجيع تبادل الخبرات والتحديات بين وكالات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لمكافحة الإرهاب عبر الإنترنت لتعزيز مجتمع من الممارسات يقوم على الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا ويجب أن يراعي استخدام أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإرهاب عبر الإنترنت احترام حقوق الإنسان.
ومع ذلك يجب أن نعترف أنّ الذكاء الاصطناعي ليس الحل الأمثل -وقد لا يكون أبداً- في مكافحة الإرهاب. فلا تزال هناك العديد من التحديات الفنية، فضلاً على أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع.
والأهم من ذلك، يجب أن ندرك أنّ الذكاء الاصطناعي يوفر نتائج احتمالية وليس تنبؤات معصومة ولا يمكن للذكاء الاصطناعي القضاء على الإرهاب والتطرف العنيف عبر الإنترنت فقط، بل يجب أن تكون الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي محاطة بجهود منع التطرف والتطرف العنيف في جذورها.
وعليه ينبغي التشديد على أهمية دور منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في هذا الخصوص والأهم من ذلك هو تعزيز علاقات أجهزة الأمن بالمجتمعات المحلية، حتى يوفروا معلومات عمن تظهر عليه أمارات الراديكالية والتطرف، فالراديكالية لا تتم في فراغ اجتماعي من ناحية والمجتمعات هي التي تهزم الإرهاب من ناحيةٍ أخرى.