السيد صدقي عابدين
في تقرير حالة الحماية الاجتماعية لعام 2025 الذي أصدره البنك الدولي مؤخراً ذكر أن ثلاثة أرباع الناس في الدول منخفضة الدخل «لا يحصلون على الخدمات الاجتماعية». تلك الحماية بأبعادها الثلاثة ممثلة في المساعدات والتأمينات وبرامج سوق العمل تساعد في تيسير سبل المعيشة، وتزيد من فرص الخروج من دوامة الفقر. فضلاً عن زيادة المناعة في التعامل مع الأزمات. فهذه الأمور قد تسهم بدورها في تحسين حياة أجيال جديدة. إضافة إلى ما يمكن لهذه الأجيال أن تقدم لجيل الآباء.
وقد أشار التقرير إلى إجراءات محددة تتعلق بالسياسات المفيدة على هذا الصعيد. والتي تراعي ظروف هذه الشريحة من الدول. ومن بين هذه الظروف شح الموارد المالية. هذه الإجراءات صيغت في عموميات من قبيل «توسيع نطاق التغطية من خلال استثمار الموارد المحدودة». ويصبح السؤال: كيف سيتسع نطاق التغطية مع محدودية الموارد؟ وهل هذا التوسع من شأنه تقليل الفوائد التي تحصل عليها فئات من أجل توسيع قاعدة المستفيدين؟
شريحة الدول منخفضة الدخل تعاني مشاكل متراكمة على مستويات عدة. وجزء من هذه المشاكل جاء من تركة الاستعمار الغربي. ناهيك عن الاستغلال غير المنصف لثرواتها الطبيعية من قبل الدول الغربية. وفي الوقت نفسه تقييدها بشروط قد لا تكون قادرة على الوفاء بها من أجل الحصول على التمويل من الأسواق الدولية. وما يزيد من معاناة شعوب هذه الدول تراجع المساعدات الإنمائية. في ظل الاندفاعة الكبيرة نحو زيادة الإنفاق العسكري على حساب برامج مساعدات التنمية التي تقدمها الدول المتقدمة والغنية. وقد وصل الحال بالولايات المتحدة إلى تفكيك الوكالة المعنية بمساعدات التنمية التي باتت إدارة الرئيس ترامب تراها عبئاً يجب التخلص منه.
هناك أمور كثيرة يمكن أن تساعد هذه الشريحة من الدول على تقديم خدمات اجتماعية أكثر وأفضل، بحيث تغطي شرائح أكبر ممن يحتاجون إليها. ومن بين هذه الأمور الإعفاء من الديون التي تثقل كاهلها. أو على الأقل تخفيضها. ويمكن أن يكون ذلك في إطار برامج محددة، بحيث يتم ضمان تحويل ما كان يدفع خدمة للديون في برامج رعاية اجتماعية.
وعلى هذه الدول أن تدرك أيضاً أن الحلول لا تأتي من الخارج فقط، وإنما عليها أن تكون أكثر كفاءة في إدارة مواردها مهما كانت محدودة وشحيحة. وأن تتصدى للفساد. وأن تهتم بتحسين مستوى الخدمات المقدمة عبر برامج منضبطة، وكفاءات بشرية مدربة. مع وجود عمليات رقابة ومراجعة. تستند إلى معايير الجودة والمهنية. وليس المحسوبية والتقييمات الورقية. التي لا يكون لها علاقة بما يجري على أرض الواقع.
إذا كانت الدول المتقدمة عليها مسؤوليات تجاه الدول الفقيرة، فإنها مستفيدة أيضاً من برامج المساعدات التي تقدمها لهذه الدول. فالاستقرار في تلك الدول، وتحسن مستويات المعيشة فيها من شأنه أن يحد من ظواهر تشتكي منها الدول المتقدمة مثل الهجرة غير الشرعية. وتبقى المسؤولية الأساسية على النخب الحاكمة في الدول الفقيرة من أجل القيام بكل ما من شأنه توفير إدارة رشيدة تسهم في الانعتاق من براثن الفقر ولو بعد حين.