التجارة والنظام العالمي

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

حينما أطلق ترامب حربه التجارية على معظم دول العالم، كان يؤمن بحتمية الانتصار فيها، انطلاقاً من أنها ستجري في الميدان الذي يجيد اللعب فيه، واستناداً إلى مواقع القوة والنفوذ الذي تتمتع به الدولة الأعظم في العالم، وبالتالي قدرتها على التحكم في الأسواق العالمية.
وكان واضحاً منذ البداية، أن الصين هي الدولة الأكثر استهدافاً في هذه الحرب، باعتبارها القوة الصاعدة اقتصادياً، والأكثر قدرة على المنافسة في التجارة العالمية، ويأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية، بينما تحتل المراتب الأخرى بقية دول العالم.
لكن ترامب، وهو يطلق حربه التجارية، لم يدر بخلده أنه يطلق «المارد من القمقم»، وأن السيطرة على إدارة هذه الحرب أصعب من إشعالها، خصوصاً بعدما اصطدم ب «سور الصين الحديدي»، وبدا له أن حسابات الربح والخسارة قد لا تتوافق مع أحلامه التي استعد لتحقيقها منذ وقت طويل.
ما لم يأخذه ترامب في حساباته، أن الإمساك بمفاتيح القوة والضعف ليست حكراً عليه، ذلك أن القوة وحدها ليست كافية لفرض الهيمنة، ما لم تقترن بالواقعية، وأن الحروب التجارية في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن إدارتها بعقلية القرن التاسع عشر. كان هذا هو الدرس الأول لحربه التجارية، التي بدأها بفرض رسوم جمركية أساسية بنسبة 10 بالمئة على معظم دول العالم، ثم تصاعدت بنسب متفاوتة، باستثناء الصين التي وصلت إلى 145 بالمئة تحت طائلة التهديد بمضاعفتها. غير أن الواقعية الصينية، ردت بطريقة متدرجة ومدروسة بفرض رسوم متناسبة، وصلت إلى 125 بالمئة، لمنع الذهاب إلى حرب شاملة، وأبقت أبواب الحوار مفتوحة أمام حلول منطقية، تراعي مصالح الطرفين. لكن المحصلة كانت خسارة البورصات العالمية تريليونات الدولارات، بما في ذلك البورصات الأمريكية، ما وضع ترامب أمام خيارين، إما إلغاء الرسوم والعودة إلى نقطة الصفر، وإما مواجهة ركود اقتصادي طويل الأمد، لا يخدم أهداف الانتعاش الاقتصادي، ولا تعديل العجز في الميزان التجاري الأمريكي، وبالتالي فقد آثر تجميد الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، على أمل عقد صفقات مع الحلفاء، يستطيع من خلالها محاصرة الصين.
غير أن بكين التي أبدت في نفس الوقت، استعدادها للقتال حتى النهاية، حذرت الدول من عقد اتفاقات مع واشنطن على حساب مصالحها. بهذا المعنى يصعب وضع تصور لنهاية هذه الحرب، لكن المؤكد أن النظام الاقتصادي العالمي، لن يكون بعد هذه الحرب كما كان قبلها. وبالتالي فإن النظام العالمي برمته الذي كان قبل الرسوم الجمركية يمر بفترة مخاض جراء الحروب والصراعات الدولية، أصبح الآن عرضة للتغيير أكثر من أي وقت مضى. ما يعني في نهاية المطاف أن نظاماً عالمياً جديداً آخذ في التبلور، فيما يدور الصراع حول شكل ومضمون هذا النظام الجديد، وما إذا كان سيفرز نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب، أو أن العالم سيبقى يدور في فلك القطب الواحد.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"