علي قباجة
بات الحديث عن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا سيد الموقف، إذ إن المناقشات الدولية التي تقودها أطراف عدة بهدف إعادة الهدوء إلى البلدين، تتجاوز دانات المدافع، والقصف المتبادل الذي لم يتوقف ولو ساعة واحدة رغم الهدن المتكررة المعلنة.
ورغم المساعي الأمريكية لوضع حدٍّ لتلك الحرب، فإن للميدان رأياً آخر، فالمعارك الضارية لا تزال متواصلة على أراضي الدولتين، سواء بمنطقة كورسك في روسيا وقصف مدنها، أو على طول خط الجبهة شرقي أوكرانيا، إلا أن طرح المبادرات لحل يُعيد السلام للدولتين، يُعدُّ في حد ذاته تقدماً ملحوظاً، ففي السابق كانت الكلمة الفصل للميدان فقط، ولم يكن هناك أفق لبادرة يتوصل فيها الطرفان إلى اتفاق يُفضي إلى وقف إطلاق النار، إذ كانت أمريكا وأوروبا منضويتين في صلب المعركة بتقديم دعم غير محدود لكييف بالسلاح والمال والرجال والتدريب، بجانب فرض عقوبات على الاقتصاد الروسي.
الأمر الآن مختلف مع قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي كرر مراراً خلال حملته الانتخابية أنه سيجد حلاً للصراع فور وصوله إلى السلطة، لذا فإنه في سبيل تحقيق رؤيته، كسر عزلة الرئيس الروسي بوتين باتصال استمر 90 دقيقة، وأرسل مبعوثه إلى موسكو، لبحث تفاصيل بلورة اتفاق مبدئي يكون مقدمة لحل طويل الأمد.
يبدو أن رؤى ترامب وجدت قبولاً لدى روسيا، باستثناء تفاصيل بسيطة، فوفق موقع «أكسيوس»، فإن الولايات المتحدة وضعت إطاراً لاتفاق سلام يشمل اعترافاً أمريكياً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، واعترافاً غير رسمي بسيطرتها على معظم المناطق التي ضمّتها منذ عام 2022، بجانب عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو»، مع ملاحظة إمكانية انضمامها للاتحاد الأوروبي، مقابل ضمان قوي لأمن أوكرانيا، وتمويل إعادة الإعمار. وهذا العرض الأمريكي، الأخير، يهدف إلى الضغط على الطرفين، للتنازل والقبول بمسودة اتفاق، وإلا فسينسحب البيت الأبيض من الوساطة.
أوكرانيا ترى أن الطرح الأمريكي مُجحف بحقها، ويمثّل انحيازاً لموسكو وانتصاراً واضحاً لها، كونه لا يلبي تطلعاتها بانسحاب روسي كامل من أراضيها، كما أنه يحرمها من الانضمام ل«الناتو»، ولا يضمن أمنها، لذا فإنها لجأت إلى أوروبا كبديل عن الدعم الأمريكي في المواجهة، بهدف تحسين وضعها التفاوضي، في ظل امتعاض واشنطن الحالي من توجهاتها.
لكن مهما يكن، هذه التفاعلات السياسية رغم ضبابيتها وعدم وضوح مؤشر على أرض الواقع لها، فإنها تحسب على أنها تقدم ملحوظ في طريق إنهاء الحرب، خصوصاً بعدما أبدى الرئيسان زيلينسكي وبوتين عدم ممانعتهما إجراء محادثات مباشرة، وهذا يعني أن الطرفين المنهكين يرغبان في وضع حدٍّ للمقتلة، لكن من دون تنازلات كبيرة، لذا فإن أي مفاوضات جادة ستكون أشبه بحرب يسعى كل طرف فيها إلى فرض إرادته.