في مواجهة علل الدولة العربية

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

د. علي محمد فخرو

في مقال الأسبوع الماضي بينّا أن كثيراً من علل سلطات الحكم في بعض الدول العربية سببها متجذر في ظروف قيام هذه الدول على أسس موروثات عربية – إسلامية تاريخية، سياسية واجتماعية وثقافية ومذهبية طائفية، تتناقض والأسس التي قامت عليها مكونات شرعية الدولة/ الأمة العصرية، وعلى الأخص المكونات المفصلية الحقوقية والقانونية والديمقراطية.
ذلك أن دولة مصابة بألف علة وعلة عند نشأتها لا يمكن إلا أن تفرز وتتعايش مع سلطات حكم هي الأخرى مليئة بالعلل.
فما هي تلك العلل البنيوية في الدولة العربية الحديثة التي نتجت عن ظروف نشأتها وتكونها التاريخي الحديث؟ إنها باختصار شديد تتمثل في الآتي:
* أولاً: الاختراق المذهبي الطائفي والعرقي والجهوي لمؤسسات المجتمع المدني، ومن ثم لكثير من المؤسسات العامة، وإضعاف قدرة كليهما على الدخول في عوالم الحداثة الفكرية والسلوكية. والنتيجة هي إعاقة الدولة في أن تقوم على أسس شرعية ديمقراطية عادلة لمنع أن تُحكم أو تُدار من قبل سلطة تسلطية تمثل مصالح مجموعة محدودة أو أقلية مذهبية أو عرقية بدلاً من تمثيل كل المواطنين بالتساوي في الحقوق والمسؤوليات.
* ثانياً: أدت تلك الولاءات الفرعية إلى وجود خلل وضعف في مشاعر المواطنين تجاه شرعية الدولة العربية الحديثة، وبالتالي أدى هو الآخر إلى خلل في الشرعية السياسية التي بدلاً من أن تقوم على أسس ديمقراطية تداولية تشاركية مع المجتمع انقلبت إلى علاقات أبوية تسلطية، نرى نتائجها اليوم في الدمار الهائل والانحطاط المعيب الذي أصاب العديد من الدول القُطرية العربية وجعلها دولاً ينهشها الخارج ويفسدها الداخل.
وبهذا أصبحت دولاً لا تستطيع أن تنفصل وتستقل عن شخص الحاكم ولا أن تتغير أنظمة حكمها وتنضج، معتمدة في إدامة ذلك المشهد الحزين على القمع الأمني السافر والمبطن وعلى التفنن في علاقات الزبونية مع الخارج وفي تكريس العلاقات الرعوية الاقتصادية التاريخية مع مجتمعها.
* ثالثاً: ولكن أخطر نتائج تلك المشاهد والعلاقات المريضة استشراء الفساد السياسي والإداري، بل وتجذّره في بعض المجتمعات وارتقائه إلى أن يصبح مؤسسة لها أنظمتها وعلاقاتها الخاصة بها وعلى ابتداعها شتى التلاعبات الظاهرة والخفية في حقول السياسة والقضاء والإعلام على الأخص.
وبالرغم من وجود أجهزة رقابة إدارية وقانونية إلا أنها في الأغلب معطلة الفاعلية بالنسبة لهذه الجهة أو تلك القوة الحاكمة.
ولقد أوقفت ظاهرة الفساد نضج وتطوير استراتيجيات التنمية الإنسانية العربية وجعلتها تدور حول نفسها عقداً بعد عقد من الزمن. كما شوهت كل محاولات الاستقلال الوطني والقومي وأبقت الدولة العربية تابعة وخاضعة حتى بعد استقلالها التاريخي المبهر.
تحت تلك العناوين الثلاثة الكبيرة توجد عشرات العلل والتشوهات التي صاحبت نشوء الدولة العربية ومسيرتها المتعثرة. وهي تحتاج إلى أن تواجه بنفس القوة والإرادة التي ستواجه بها المجتمعات العربية تشوهات الكثير من سلطات إدارة وحكم الدول العربية الحديثة.
من هنا، لعل الأفضل ألا نتحدث عن أولوية هذا النضال أو ذاك، وإنما نركز على تفاصيل تناسق وتكامل النضالات الشعبية والمدنية العربية الرامية لإصلاح الدولة العربية ومعالجة علل سلطات حكمها في الآن نفسه. ذلك أن مرض الجهتين قد أصبح مرضاً خطراً واحداً، يهدد الوجود العربي برّمته.
[email protected]

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"