خالد راشد الزيودي*
أهلاً بالرئيس الأمريكي في دولة الامارات العربية المتحدة، الدولة التي تؤمن بالتسامح والسلام والتعاون من أجل عالم أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً، إذ تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن جولته في المنطقة، تأكيداً لمتانة العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، التي تمتد جذورها عميقاً عبر عقود من التعاون والتنسيق على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية.
لقد تأسست العلاقة الإماراتية الأمريكية على أسس واضحة من الاحترام المتبادل، والثقة المشتركة، والعمل الدؤوب لتحقيق أهداف استراتيجية تعود بالنفع على شعبي البلدين، بل وتمتد لتشمل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. هذه العلاقات التي تميزت تاريخياً بعمقها وتنوعها، تواصل اليوم نموها وتطورها في ظل قيادتي البلدين وإرادتهما الواضحة لتعزيز شراكة استراتيجية شاملة ومستدامة.
فقد أرست الإمارات والولايات المتحدة علاقاتٍ مبنية على التعاون الأمني والسياسي، ونجح البلدان في تجاوز تحديات عديدة، محلية وعالمية، عبر التفاهم الدائم والتنسيق المستمر. وقد تعزز هذا التعاون بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية، مع تصاعد الحاجة لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، وتزايد الأهمية الجيوسياسية لمنطقة الخليج العربي.
كما تبدو العلاقات الإماراتية الأمريكية أكثر قوة وتنوعاً، إذ لم تعد تقتصر فقط على المجالات التقليدية مثل التعاون العسكري والأمني، بل امتدت لتشمل آفاقاً أوسع وأكثر ابتكاراً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، كالذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، واستكشاف الفضاء، والتغير المناخي. وتعد الإمارات من أبرز شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم، إذ يلتزم البلدان بالتعاون والسعي المستمر لتعزيز الأمن الإقليمي والعالمي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ومواجهة التحديات في مختلف أرجاء العالم.
وقد تجسد هذا التعاون بشكل واضح في ارتفاع حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين إلى ما يقارب 40 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها نحو 9.47% مقارنة بالعام السابق، ما يؤكد عمق الثقة بين البلدين وقدرتهما على تعزيز الروابط الاقتصادية بشكل متزايد عاماً بعد عام.
ولعل من أبرز ملامح الحاضر التي تؤكد عمق الشراكة الاستراتيجية، التوسع اللافت في مجالات الاستثمار المتبادل، حيث وصلت استثمارات الإمارات في سوق الطاقة الأمريكي إلى أكثر من 70 مليار دولار عبر مؤسسات كبرى مثل «أدنوك» و«مصدر»، فضلاً عن قيام الولايات المتحدة باستثمارات مهمة داخل الإمارات تجاوزت قيمتها 9.5 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس بوضوح متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
كذلك يشهد الحاضر توسعاً كبيراً في التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يعد من أهم القطاعات التي تحدد شكل المستقبل، إذ وقعت مجموعة «G42» الإماراتية مع شركة مايكروسوفت الأمريكية مؤخراً شراكة استراتيجية كبرى بقيمة 1.5 مليار دولار، كما تم تأسيس مركز متخصص للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر، ليكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
إن تعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي لم يكن مجرد خطوة اقتصادية أو تقنية فحسب، بل جزء من استراتيجية مشتركة لإرساء قواعد مستقبل آمن وموثوق لهذه التكنولوجيا الحيوية. وعلى صعيد استكشاف الفضاء، شهد التعاون الإماراتي الأمريكي نقلات نوعية، تجسدت في دور الإمارات المهم في مشروع «بوابة القمر» التابع لوكالة ناسا، حيث ستقوم الإمارات بتطوير وحدة مهمة لأمان الرواد والعلماء، وترسل أول رائد فضاء إماراتي إلى مدار القمر بحلول عام 2030، وعلى مستوى العمل المناخي، أثبت البلدان أن التعاون بينهما في هذا المجال قادر على قيادة الجهود العالمية في مواجهة تحديات التغير المناخي، من خلال شراكتهما في مبادرة تسريع الطاقة النظيفة، التي تسعى لإنتاج 100 غيغاوات من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035، إضافة إلى مبادرة (AIM for Climate) التي تهدف إلى تعزيز الزراعة المستدامة عالمياً.
كل هذه التطورات الراهنة تؤكد أن مستقبل العلاقات الإماراتية الأمريكية سيكون امتداداً قوياً ومتطوراً لما تم تأسيسه في الماضي، وما يتم تعزيزه اليوم في الحاضر، بل وتعِد بمستقبل أكثر عمقاً وتنوعاً، يرتكز على شراكة استراتيجية شاملة بين بلدين يعملان معاً، جنباً إلى جنب، نحو غدٍ أفضل وأكثر استدامة وأمناً ورخاءً، كما أن هذه الزيارة تأتي في سياق استراتيجي مهم، تُظهِر للعالم بوضوح أن العلاقات الإماراتية الأمريكية تتجاوز مجرد المصالح المرحلية، وأن البلدين يتشاركان رؤية بعيدة المدى لتعزيز التنمية المستدامة.
فوجود الرئيس الأمريكي في الإمارات العربية المتحدة يعيد تأكيد التزام أمريكا تجاه حلفائها في منطقة الخليج، كما يعكس مكانة دولة الإمارات كشريك استراتيجي محوري على المستوى الإقليمي والدولي، كما أن هذه الزيارة تمثل فرصة جديدة لفتح آفاق أوسع للتعاون، وتعزيز الشراكات في المجالات الحيوية التي تخدم المصالح المشتركة، وتساهم في خلق مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، إنها تأكيد قوي على أن الإمارات والولايات المتحدة مصممتان على المضي قدماً في مسار الشراكة المثمرة، وأنهما ستبقيان معاً في مواجهة كل التحديات من أجل تحقيق مستقبل أكثر أماناً، واستقراراً، وازدهاراً للأجيال القادمة.
*باحث دكتوراه في إدارة الأزمات والمخاطر