خطوتان قبل الانطلاق

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

هناك خطوتان يجب أن تتحقّقا في اللحظة الراهنة التي تعيشها الأمة العربية، وذلك لأنهما مدخلان رئيسيان لتحقق أي أحلام وأهداف كبرى مستقبلية. واحدة من الخطوتين تتعلق بالنظام الرسمي العربي، والثانية تتعلق بالمجتمعات المدنية العربية.
*أولاً – في غياب أو تراجع الحماسة الرسمية العربية لأي خطوات وحدوية أو تضامنية في ما بين الأقطار العربية، كما كان الحال في الخمسينات من القرن الماضي، وبسبب «الضمور أو التشّوه الذي حل بالتجمعات العربية» أو ذلك العبث من هذه الجهة الداخلية أو تلك، أصبح الطريق الوحدوي العربي الرسمي المتبقي هو طريق الجامعة العربية.
ولكي يكون طريق الجامعة العربية طريقاً يقود إلى مشروعات تكاملية وتضامنية وحدوية عربية، أو يبني ويقوي شتّى أنواع الأمان العربي في وجه المؤامرات والانتهاكات الاستعمارية المتعاظمة، لا بد من البدء بجعل الجامعة العربية قوية وفاعلة وكفؤة بعد أن أصابها مؤخراً الوهن والعجز وقلة الحيلة.
وهذا سيستدعي إجراء إصلاحات جذرية لأهداف وتركيبات الجامعة تجعلها قادرة على طرح المبادرات دون انتظار هذه الدولة العضو أو تلك لتقوم بذلك، وبالتالي جعلها تملك حقوقاً قانونية وسياسية أكبر وتتحمل مسؤوليات أثقل بكثير، أي جعلها مؤسسة فعل في الواقع العربي وليس مؤسسة كلام فقط، كما فرض عليها طوال تاريخها.
وأعتقد أن هذه الخطوة يمكن بدؤها بأحد الطريقين التاليين: قيام أحد أو مجموعة من الدول الأعضاء بطرح اقتراح إجراء ذلك الإصلاح، أو قيام الجامعة العربية نفسها بدعوة مجموعة من المفكرين والمثقفين والمناضلين السياسيين العرب، ومن بعض المؤسسات العربية البحثية المشهود لها بالبحوث الرّصينة، من أجل تدارس الأمر ووضع تصور متكامل عن عملية الإصلاح، ومن ثم تقديمه إلى مجلس الجامعة لمناقشته وتفعيله.
إن جامعة جرى إصلاحها وتوسعة مسؤولياتها وتجديد روحيتها وأنشطتها وربط أهدافها بتغيير الواقع العربي المريض المجزّأ المنتهك يومياً من أوروبا وإسرائيل ومع الأسف من بعض دول الإقليم المجاورة، هي المدخل الوحيد الرسمي المتبقي حالياً. من دون ذلك فإن مستقبل الوجود العربي في هذا الإقليم سيكون غامضاً ومعرّضاً لمخاطر خارجية جمة، وهو ما يجب أن تعيه كل أنظمة الحكم العربية، وذلك قبل أن تنفجر حمم الغضب في وجوهها.
ويتمنى الإنسان أن يسهم بعض الإخوة من المفكرين والكتاب والمثقفين في مناقشة صواب أو خطأ أو مشاكل هذا الاقتراح المتصّور.
*ثانياً – إن تضعضع وضعف الكثير من الأحزاب والحركات القومية الوحدوية في منشئها القُطري وامتداداتها القُطرية عبر الخمسين سنة الماضية قد قاد إلى فراغ سياسي وحدوي ملأته قوى حاملة لشعارات أخرى غير وحدوية التوجه. لقد تراجع الزخم النضالي الوحدوي كثيراً وتكالبت عليه قوى الاستعمار، تشويهاً وإخراجاً من الذاكرة الجمعية الشعبية العربية، خصوصاً بعد أن تساقطت أنظمة حكم عربية عدة كانت رافعة لشعار الوحدة العربية وداعمة لقوى المجتمعات العربية القومية.
وهكذا فمثلما أن المجال العربي الرسمي يحتاج إلى تفعيل الجامعة العربية لإعادة الحياة للتوجهات الوحدوية التكاملية كخطوة أولى، فكذلك ستحتاج المجتمعات العربية المدنية لتكوين حركة أو جبهة شعبية تنسيقية تضامنية يحسب لها ويشعر بوجودها المجتمع الدولي وترجع التوازن فيما بين الدولة والمجتمع.
هذان مثلان من خطوات، إن فعّلت ولم تترك في سكونها الحالي المخجل، فإن الأمل هو الانتقال إلى الأهداف الكبرى للأمة وللزّخم الجماهيري الضروري للخروج من الموت البطيء الذي نعيشه.

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"