التعليم شيء والتربية شيء آخر

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تسمح باستئناف الحديث عن تدريس الإبداع؟ حقّاً، ما المانع من أن تكون غاية التعليم تربية الإبداع؟ المفارقة هي أنه لا توجد دولة ولا مجتمع ولا أسرة أو فرد لا يهمّه الموضوع، بينما التطبيق العملي غول وعنقاء. إذا أراد أحد واضعي المناهج العربية الاعتراض، فمرحى، فالسؤال بسيط: ما الذي طرأ من ابتكار وتجديد وتطوير في أنظمة التربية والتعليم، منذ منتصف القرن الماضي؟
يصرّ القلم دائماً على الحديث عن المناهج العربية، لأمرين، الأوّل أن العرب إذا أرادوا أن يظلوا عرباً، فلا يوجد صمغ للحفاظ على هذه العلاقة أفضل من التقريب بين أنظمة التعليم. الآخر، أن اللغة العربية غير قابلة للتجزئة والتطوّر الفردي الحرّ، وإلاّ كان مصيرها التباعد كاللغات الرومانيّة: الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، البرتغالية...
لسوء حظ الآباء، ولحسن حظ المدارس، لا تفحص بدقّة موادّ تعليم أبنائها، كأنها تقول: «دعِ التعليم يفعل ما يشاءُ». لا تبحث ولا تلهث، ولا تحقّق ولا تدقّق. في حين أن لوليّ الأمر كل الحق في أن يسأل: ما علّة عدم تمكّن ابنتي من تعلّم لغتها جيداً، بينما قضت تسع سنوات من الابتدائية إلى بداية الثانوية؟ هل يعقل أن نُحمّل الدارس كل مسؤولية الإخفاق؟ يحق لمجتمع الآباء التحقيق في المقرّر. خصوصاً والعرب جميعاً كلهم في همّ العربية شرق؟
المقصود من تدريس الإبداع هو في الحقيقة تصحيح للخطأ العام الشائع، المتمثل في عدم التمييز بين التربية والتعليم. الرائج المعمول به هو: التعليم، صبّ المعلومات بالقُمع، حشو الأدمغة. أين حق التربية إذاً؟ يدرس التلاميذ والطلاب النحو والصرف سنين، ويتخرّجون في كلية الآداب وهم يلحنون ويغلطون، إلاّ من رحم ربّك. كرّر القلم مراراً: أيها التربويّون اقتدوا بمعاهد الموسيقى: يتعلّم الطالب النظرية الموسيقية، السولفيج والمقامات، لكنه بعد خمس سنوات، يتخرّج وقد تمرّن على الآلة التي اختارها نحو ستة آلاف ساعة. ترى، كم ساعةً يتدرّب الطالب، طوال دراسته اللغة وآدابها، على الإبداع في الكتابة؟ لماذا؟ لأنه يتعلم ولا يتربّى على الإبداع، على امتلاك التقنيات والجماليّات.
السؤال المترتّب: العلوم كلها، وبلا استثناء، ميادين اكتشاف واختراع وإبداع، فهل جرّبت المناهج العربية حقن كل مادّة دراسيّة بإكسير الإبداع، ليسري في خلايا أدمغة الطلاب وتشابكاتها العصبية، فيغدو أداؤها مشحوناً بروح البحث العلمي وفلسفة العلوم، فتشرق شموس الإبداع من كل نظرة وفكرة وتأمل وشطحة خيال؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التمييزية: كيف البداية؟ يلتئم جمع التربويين، يقرّرون: من اليوم، ما للتعليم للتعليم، وما للتربية للتربية.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"