مجلس التعاون والعملة الموحدة

22:17 مساء
قراءة 4 دقائق

د. جاسم المناعي*

كثير من المتابعين والمهتمين بأمور مجلس التعاون الخليجي يطرحون، من وقت إلى آخر، التساؤل حول متى وكيف يمكن لدول المجلس أن يكون لها اتحاد نقدي وعملة موحدة؟ وبالطبع فإن مثل هذا التساؤل مشروع، نظراً لكون الاتحاد النقدي والعملة الموحدة هما أولاً من أهم أركان التكامل الاقتصادي لأي تجمّع إقليمي، كما أن العملة الموحدة هي من أهم طموحات المجلس منذ تأسيسه.
وبالفعل، فقد تم بذل جهود حثيثة في هذا الاتجاه، إلّا أنه، وبرغم الفترة الزمنية التي مضت، لم تسفر حسبما يبدو هذه الجهود حتى الآن عن تحقيق الهدف المنشود في الوصول إلى اتحاد نقدي وعملة موحدة، تتفق والرغبة الأكيدة لدول المجلس. من المؤكد أن هذا المشروع ما زال في ذهن المعنيين، لكن مع ذلك يبقى السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء التأخر في إنجاز هذا المشروع المهم، هو هل مجلس التعاون تنقصه المقومات الفنية والاقتصادية الضرورية، لتحقيق مثل هذا الهدف؟
في هذا الصدد، يمكننا أن نستعرض في عجالة بعض الجوانب التي لها علاقة بمشاريع العملة الموحدة، والتعرف من خلال ذلك على موقع دول مجلس التعاون من هذه المشاريع. أولاً هناك الجانب النظري الخاص بالمنطقة المثالية للعملة الموحدة، والتي تتطلب توافر عدة مقومات وعوامل حتى يمكن لأي تجمع إقليمي أن يكون مؤهلاً للدخول في اتحاد نقدي، والوصول إلى العملة الموحدة.
وحسب نظرية روبرت مندل، الاقتصادي الكندي صاحب فكرة المنطقة المثالية للعملة الموحدة، فإن هذه المقومات والعوامل تتمثل أساساً في أربعة أشياء، أولها حرية حركة العمالة داخل هذه المنطقة، وكذلك حرية حركة رأس المال، بالإضافة إلى أهمية تشابه الهياكل الاقتصادية، وبالتالي تشابه اقتصادات هذه المنطقة في تعاملها مع الدورات الاقتصادية، وأخيراً ضرورة توفر إمكانية التحويل المالي بين الدول الأعضاء في المجموعة.
وإذا أمعنا النظر في هذه المعاير والعوامل، نجد أنها تنطبق إلى حد كبير على مجموعة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يمكن القول إنه من الناحية النظرية يمثل مجلس التعاون منطقة مؤهلة للاتحاد النقدي والعملة الموحدة.
لكن ماذا عن الناحية العملية؟ خاصة إذا قارنا دول مجلس التعاون بمجموعات أخرى من العالم، سبق لها وان خاضت تجربة الاتحاد النقدي والعملة الموحدة كمجموعة الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
حسبما يبدو أن دول مجلس التعاون في وضع يكاد يكون أفضل من وضع الاتحاد الأوروبي، عندما قرر تبنّي الاتحاد النقدي والعملة الموحدة. عاملان أساسيان من شأنهما توضيح الصورة في هذا الشأن. العامل الأول هو أن دول الاتحاد الأوروبي كانت تطبق أسعار صرف مختلفة، بينها الأمر الذي أخذ جهداً كبيراً للاتفاق على توحيد أسعار الصرف، حتى تكون مؤهلة لتحقيق الاتحاد النقدي والعملة الأوروبية الموحدة. هذا العامل لا يمثل في الواقع أي مشكلة بالنسبة لدول مجلس التعاون، لأن سعر الصرف بين عملات دول المجلس هو موحد عملياً تقريباً، وبالتالي فهذا يسهل كثيراً من قدرة مجلس التعاون في الوصول إلى الاتحاد النقدي والعملة الموحدة. العامل الآخر بالمقارنة بالتجربة الأوروبية، يتعلق بأسعار الفائدة، حيث كانت الدول الأوروبية تطبق أسعار فائدة مختلفة من دولة إلى أخرى، وتطلب الأمر كذلك جهداً كبيراً حتى تم التوصل إلى توحيد أسعار الفائدة بين الدول المعنية، تمهيداً لتحقيق الاتحاد النقدي الأوروبي والعملة الموحدة اليورو. هذا العامل أيضاً لا يشكل بالنسبة لدول مجلس التعاون أيّ مشكلة، حيث إن أسعار الفائدة المطبقة في دول المجلس هي موحدة أصلاً، وإلى حد كبير مما يسهل في مهمة مجلس التعاون في توحيد العملة. لذلك فإن موضوع سعر الصرف وسعر الفائدة هما أمران في صالح مجلس التعاون في سعيه لتحقيق العملة الموحدة. وحتى بالنسبة لمعايير معاهدة ماسترخت المكملة للاتحاد النقدي الأوروبي، يجب ألّا تمثل بالنسبة لمجلس التعاون عقبات مهمة في طريق تحقيق العملة الموحدة، حيث إن مثل هذه المعاير، والتي تتمثل أساساً في ثلاثة أشياء، وهي أن عجز الموازنة يجب ألّا يتجاوز 3% من الناتج الإجمالي المحلي للدول الأعضاء في المجلس والدين العام، يجب أن يكون أقل من 60%، ومعدل التضخم يفترض أن يكون في حدود 1.5%. صحيح أن دول المجلس حالياً قد لا تتطابق ظروف كل منها مع هذه المعايير، إلا أنه لا يعني عدم إمكانية تصحيح أي اختلالات وتحقيق التطابق المطلوب أو اعتماد معايير أكثر ملاءمة لظروف المنطقة، وتحقق في الوقت نفسه الهدف المنشود. لا بد كذلك في هذا السياق أن نستذكر، أن دول مجلس التعاون سبق لها وأن مرت بتجربة العملة الموحدة، أما من خلال التعامل بالروبية الهندية، أو من خلال تعامل أكثر من دولة بعملة إحدى الدول الأعضاء. في المحصلة نستطيع القول إن دول مجلس التعاون سواء على الصعيد النظري أو العملي مقارنة بتجمعات إقليمية أخرى أو، وفقاً لتجارب سابقة تبدو مؤهلة لمشروع العملة الموحدة. وغني عن الذكر أن هذا المشروع إذا تحقق، فستكون له فوائد عديدة على مستوى اقتصادات المجلس بشكل عام، وعلى صعيد تكاليف العمليات والتحويلات المالية، وكذلك وبدون شك على صعيد المواطن والمقيم في دول المجلس.
* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

عن الكاتب

​المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"