خدعة الذاكرة وتأثير مانديلا

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل حدث أن كنتَ متأكداً تماماً من أنك رأيتَ شخصاً في مكان معين، أو أنك عشت موقفاً ما، لتكتشف لاحقاً أن ذاكرتك كانت مخطئة؟ قد يبدو الأمر بسيطاً، لكنه في الحقيقة يعكس ظاهرة نفسية معقدة تُعرف باسم «الذاكرة الزائفة»، وهو مصطلح شهير معناه أن تتذكر أشياء لم تحدث أبداً، أو أنك تتذكرها بطريقة مختلفة تماماً عما حدث، مع شعور داخلي قوي بالثقة بصحة هذه الذاكرة.
لو فكرت سابقاً بطريقة عمل الذاكرة البشرية وفق تجاربك فستجد أنها ليست كاميرا تسجّل الأحداث كما هي، بل أشبه بعملية إعادة بناء مستمرة، تتأثر بالعواطف والتوقعات والتجارب السابقة وحتى بالحديث مع الآخرين.
في دراسة تم نشرها في المجلة الأمريكية لعلم النفس، أُجريت تجربة على مجموعة من المشاركين تم إخبارهم بمواقف طفولية مختلقة قيل إنها حصلت لهم. المدهش أن نسبة كبيرة من المشاركين لم يكتفوا بتصديق القصة، بل بدأوا في إضافة تفاصيل جديدة من خيالهم، وكأنهم استعادوا ذاكرة حقيقية. هذه الدراسة فتحت الباب أمام فهم أوسع لكيفية تشكّل الذكريات.
من الأمثلة الشهيرة على هذه الظاهرة ما يعرف بـ «تأثير مانديلا»، وهو مصطلح اشتهر لهذه الفكرة التي نتناولها، وسبب تسميته هو القصة التي تقع خلفه.
أصبح تأثير مانديلا يوصّف الحالة حيث يتذكر ملايين الأشخاص أحداثاً أو تفاصيل ثقافية بطريقة معينة، رغم أنها لم تحدث أصلاً.. هذا التأثير تمّ تسميته بسبب اعتقاد البعض أن نيلسون مانديلا توفي في السجن في الثمانينات، بينما هو في الحقيقة توفي عام 2013 بعد سنوات من رئاسته لجنوب إفريقيا. هذه الظاهرة تعكس كيف يمكن أن تتكون ذكريات جماعية زائفة، خاصة عندما تنتشر المعلومة نفسها عبر عدد كبير من الناس أو وسائل الإعلام.
الذاكرة الزائفة ليست فقط موضوعاً مثيراً من منظور علمي، بل فيها تبعات عملية في الحياة اليومية. في المجال القانوني مثلاً، اعتمدت بعض الإدانات في المحاكم على شهادات شهود كانوا مقتنعين تماماً بذاكرتهم، رغم أنه اتضح لاحقاً أنها غير دقيقة. كما أن هذه الظاهرة تؤثر في العلاقات الشخصية، حين يختلف شخصان حول حدث مشترك، ويعتقد كل منهما أن ذاكرته هي الصحيحة.
لكن هل نحن ضحايا ذاكرتنا؟ ليس بالضرورة.. الوعي بهذه الظاهرة يمنحنا فرصة للتواضع الفكري، ويجعلنا أكثر حذراً في الاعتماد المطلق على ما «نظن أننا نتذكره».
وفي عصر المعلومات، تزداد الحاجة إلى مراجعة ذاكرتنا بنفس القدر الذي نراجع فيه أفكارنا؛ لأن ما يبدو لنا يقيناً قاطعاً قد لا يكون أكثر من وهم مألوف في هيئة ذكريات.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"