«بريكست» وصيد السمك

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لا يزال الأوروبيون والبريطانيون عالقين في المفاوضات الجارية بين الجانبين؛ لصياغة طبيعة العلاقة بينهما ما بعد «بريكست» أواخر هذا العام. ويواجه الطرفان عقبة كبرى تتعلق بنجاح المحادثات التجارية وصيد السمك، وما لم يتم التوافق على هذا الأمر؛ سيكون التوقيع على اتفاق الخروج النهائي متعذراً، وسيؤسس لعلاقة متوترة على ضفتي بحر المانش.

 المخاوف من فشل المفاوضات ما تزال قائمة، وخطر «بريكست» فوضوي مرجح، إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. أما الحقيقة الواضحة فتتعلق بحالة القلق والترقب التي تسود، على السواء، المسؤولين في بروكسل ونظراءهم في لندن، وإن كان الجانب البريطاني أكثر خشية من المفاجآت غير السارة. وفي أتون المفاوضات الجارية عبر أكثر من قناة، تقول اللجنة البرلمانية البريطانية المنوط بعهدتها العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي إن المملكة المتحدة لم تنجز تركيب جميع أنظمة تكنولوجيا المعلومات المعقدة والبنية التحتية للموانئ اللازمة لضمان سير «بريكست» بسلاسة. ويقود هذا الأمر إلى الاعتقاد بأن هناك بلبلة وسوء استعداد ليوم الانفصال، وقد يعود ذلك إلى عوامل خارجية منها الجائحة الصحية التي عطلت لأشهر طويلة السير الطبيعي للمفاوضات. فضلاً عن أن هناك بوادر تردد في المضي إلى النهاية، مع التذكير بأن بعض السياسيين في لندن ما زالوا يصرون على أن الاستفتاء على الخروج الذي جرى عام 2016، ربما كان متسرعاً في وقته، ولم يأخذ في الحسبان التغيرات العالمية، وهي كثيرة جداً وعميقة، ولم يكن أشطر الاستشرافيين يتوقعها قبل عام من الآن، ناهيك عن أربع سنوات.

أمام التعثر المستمر لسير المفاوضات، بدأت تظهر لغة مستغربة ظلت مختفية لعقود طويلة. فبعد أن هددت لندن بنشر أسطولها الحربي لحماية مياهها الإقليمية من سفن الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي، استهجنت أطراف أوروبية هذا التهديد، لكن من أطرف التعليقات عليه تغريدة عمدة مدينة «بولوني سور مير» الفرنسية فريدريك كوفيلييه متوجهاً إلى البريطانيين «هل تريدون حقاً نشوب حرب الفوكلاند قرب سواحلكم؟ الأحاديث عن سفن حربية قد تثلج صدور أصحاب الأفكار الشوفينية على ضفتي بحر المانش، لكنها لن تساعد على التوصل إلى اتفاق». وإذا كان من دلالة لهذا التصعيد فتتعلق بالحيرة المسيطرة على أجواء المفاوضات والخشية من عدم الوصول إلى نهاية سعيدة.

المشكلة التي ستنشأ لاحقاً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لن تتوقف على «صيد السمك»؛ بل ستتجاوزها إلى ملفات عدة بعضها قيد التفاوض والبعض الآخر غائب حالياً. فالمدافعون عن «بريكست» يريدون أن تتجه المملكة المتحدة في اتجاه مختلف يمكنها من القيام بدور عالمي بمعزل عن الغرق في المشاكل الأوروبية. وقد يكون هذا الحلم مشروعاً ومغامرة تستحق المخاطرة. ولكن بالنظر إلى التحولات الدولية العنيفة ربما تخوض بريطانيا تجربة كتلك التي تصورها رواية «الشيخ والبحر» للكاتب الأمريكي إرنست همنجواي، فقد لا تفلح في صيد السمك الصغير، وحين تصطاد حوتاً ضخماً لن تتمكن من العودة به إلى الشاطئ؛ لأن «القروش العالمية» الأخرى بالمرصاد، ولن تسمح باستعادة ما مضى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"