عادي

المنطق.. لقاح العقل ضد الأفكار المضللة

23:52 مساء
قراءة 3 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

«الخوف من التعثر يجعل عقولنا تتشبث بحبل المنطق»، هكذا تحدث الكاتب الفرنسي اندريه جيد، «1869 - 1951»، في تأكيده الحاسم على ضرورة المنطق، الذي لولاه لكانت الحياة الإنسانية في غاية البؤس والشقاء، فجيد يرسم صورة للإنسان في سيره منذ القدم في مجاهيل من أجل التوصل إلى نور المعارف، ولكن الحاجة إلى المنطق لم تسقط رغم كل ذلك التطور، فكلما تنكبت البشرية وأخطأت في سيرها وساد الجهل، لابد من العودة إليه واستصحابه؛ أي العودة إلى العقل، فمنذ أن تطور وعي الإنسان في علاقته مع الأشياء من حوله، ومنذ أن صار يفكر في البحث عن الحقيقة، اهتدى إلى ضرورة أن يكون هنالك تفكير سليم يؤدي إلى المنجزات والاكتشافات.

هذا التفكير الصحيح هو «المنطق»، الذي يعد من أعظم الاكتشافات التي توصل إليها الإنسان، والتي أضاءت طريقه نحو الحياة الحديثة، ذلك لأنه كان البوابة الرئيسية للفلسفة، والمنطلق الأساسي في نظرية المعرفة والبحوث اللسانية، وهو اليوم يتصدر المشهد بوصفه عاملاً حاسماً في تطور جميع العلوم الحديثة منذ الرياضيات وحتى الحاسوب واللغويات والتواصل، لذلك أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، يوماً عالمياً للمنطق، يصادف 14 يناير/ كانون الثاني من كل عام، لأهميته الكبيرة في حياة البشرية، فهو يبحث في مسألة القدرة على التفكير الخلاق والمبدع، ومحاولات البشرية عبر التاريخ في التوصل إلى مبادئ ناظمة وقواعد أساسية للتفكير الصحيح.

القضية الأساسية التي يبحث فيها المنطق وينهض بها هي التفكير السليم، باعتبار أن ذلك الأمر هو ما يميز البشر على غيرهم من الكائنات الحية، لذلك طالما عرف الإنسان، في الحضارات السابقة، بأنه حيوان عاقل؛ أي منطقي، بل إن التفكير صار عند الإنسان هو شرط الوجود، لذلك أطلق ديكارت قولته الشهيرة: «أنا أفكر إذاً أنا موجود»، حيث إن المنطق يعمل على على دراسة الاستنتاج والبرهان والاستدلال، وبناء الجملة، وكيفية تشكيل مناعة ضد التفكير الخاطئ، وهذا الأمر ظل هاجساً لدى المشتغلين في علم المنطق، فالخوف من الوقوع في الأخطاء جعل البشرية تتمسك بالمنطق، ما أدى إلى فتوحات كبيرة في الفلسفة، وعلم الدلالات، والرياضيات، ثم علم الحاسوب.

مسيرة 

خاض «فن المنطق»، مسيرة طويلة حتى أصبح «علم المنطق»، ولعل تلك البدايات الحقيقية له كانت مع الفيلسوف أرسطو، الذي جعل من المنطق علماً قائماً بذاته، وعمل على تطويره من خلال بحوث أطلق عليها اسم «أورجانون»، أو «التحليلات»، التي ظلت مستخدمة في الغرب حتى أوائل القرن التاسع عشر، فكان ذلك هو الأساس لعلم المنطق، ومع تطور العلوم الطبيعية، أخذ هذا العلم منحنى آخر مختلفاً عما كان عليه عند أرسطو، بظهور عدد من الأفكار الجديدة مثل منطق الاستقراء، الذي أسس له الفيلسوف فرانسيس بيكون، وكذلك المنطق الرياضي الذي ظهر مع الفيلسوف «لايبنتز»، وقام برتراند راسل، بإدخال تعديلات جوهرية عليه؛ إذ ربط المنطق بالرياضيات، فصارت امتداداً له.

الأسئلة الكبرى

إن الاحتفال بالمنطق، وتخصيص يوم له، هو بمثابة دعوة خلاقة من أجل أن الحث على التفكير العقلاني والنقدي، وذلك الأمر له أهميته القصوى في تطور البشرية، والسير بها نحو مرافئ وآفاق جديدة، على مستوى المعارف والعلوم والفتوحات في مجال التكنولوجيا، وكذلك هو دعوة لتطوير هذا العلم المهم من خلال الأبحاث والدراسات، والاعتراف بدوره المهم في الأسئلة الكونية الكبرى المرتبطة بالوجود والقيم وإشكالية المعرفة والعلوم، وذلك الأمر يرتبط بطبيعة الحال بوضع الخطط والدراسات، والتعاون بين كل البلدان في العالم من أجل أن يصبح هم المعرفة والعلوم والفلسفة والدراسات الإنسانية، همّاً عالمياً يشترك فيه الجميع.

إن ما يجعل الاهتمام بعلم المنطق شرطاً للتطور، هو أن جميع الدول والحضارات التي تفوقت، قد اهتمت بطرق التفكير العلمي والمنطقي الصحيح، ويشمل ذلك القدرة على وضع التصورات، والرؤى الفكرية، والخطط العلمية، والدراسات المنهجية، لذلك فإن أول إجابة على سؤال ما الذي جعل بعض الحضارات، مثل الغربية، تتفوق؟ هو أن الانكباب على دراسة طرق التفكير الصحيح، الذي أصبح هاجساً حقيقياً في ثقافات أخرى بذلت فيه وحوله الكثير من الدراسات والنظريات الفكرية والفلسفية.

 وعندما كان المنطق في طور الفن، كان يهتم بالكلام واللغة فقط، ولكن عندما صار علماً، أصبح يدخل في كل العلوم، فإي علم لابد أن يثار فيه سؤال التفكير السليم، وبناء المناهج الصحيحة، من أجل الاستفادة منه، إذ إن كل منجزات العصر الكبرى هي نتاج الاستفادة من المنطق، فهو معين لا ينضب للابتكار والتجديد، حتى صارت له أهميته القصوى في عصرنا الحديث، خاصة علوم المجتمع والاقتصاد والمعلوماتية والتكنولوجيا التي صارت تقوم على التفكير المنطقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"