تحول نوعي وليس تكيفاً شكلياً

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

فاهم القاسمي *

لم يكن مجرد عام إغلاق وتوقف للنشاطات، ولا عام وباء وبؤس وضيق، على الرغم من أن هذه الصفات تكاد تلتصق به للوهلة الأولى، إلا أن نظرتنا إليه وقراءتنا لمجرياته تذهب أبعد من ذلك، إنه عام التحديات غير التقليدية، والتجارب الفريدة، عام توسعت فيه آفاق التفكير والتخيل بسبب ضيق مساحات الفعل والتحرك، وحفرت أحداثه عميقاً في وعينا، وتركت بصمات متشابهة على هوية الأفراد والمجتمعات في العالم، عززت المشترك بين الشعوب، ووحدت طموحاتهم ومصائرهم أكثر من أي وقت مضى.
هكذا نرى بمنظور الشارقة عام 2020، هذا المنظور الذي أسقط من قاموسه، ومنذ البدايات، مفردات اليأس والتراجع والمستحيل، فتحولت به الصحراء إلى مركز إشعاع حضاري، وأرض خصبة متعطشة للأفكار والابتكارات في العلوم والفنون والاقتصاد والقيم النبيلة، ووجهةً للراغبين بتجربة حياة ثرية بجميع الخيارات.
لقد دفعتنا الأسئلة الجوهرية التي أثارتها التطورات النوعية خلال العام الماضي في دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة للتعرف أكثر إلى التجارب المختلفة لشعوب العالم في التعامل مع الحظر والوباء، وكيفية إدارة شؤون حياتهم، وماذا فعلوا حتى تستمر عمليات التعليم وإدارة الأعمال، وفي المقابل سنضع أمامهم تجربتنا التي نثق بتميزها حتى تتعاظم فائدتها بزيادة عدد المستفيدين منها، فالشارقة، كما دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت سباقةً في ابتكار الأساليب والطرق العملية والفعالة لضمان استمرار الخدمات المقدمة للجمهور وفي مقدمتها التعليم والرعاية الصحية وتوفير الاحتياجات الأساسية.
لكن النتيجة الأهم التي أفرزتها تجربتنا في الشارقة مجتمعاً ومؤسسات، أن التغيير المنشود لا يجب أن يكون في الأدوات فقط، لكن في الجوهر أيضاً، بل يجب أن يكون الجوهر هو مركزيته وعنوانه، ولو تناولنا التعليم على سبيل المثال، سيبقى أي تغيير في أدواته وطرقه دون الطموحات والتوقعات إذا لم تكن هناك إضافات نوعية على المناهج ومواد التدريس وأخلاقياته. لقد مر العالم باختبار قوي وضع مكتسباته وقيمه على المحك، ولأول مرة خلال العصر الحديث تخوض المجتمعات في العالم التجربة ذاتها في الوقت ذاته وبأحداث تكاد تكون متطابقة، ولأول مرة تصبح أمنياتهم وأحلامهم وطموحاتهم واحدة، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يتحول إلى منهج موحد أيضاً نعلمه لأبنائنا ليؤكد وحدة هذه البشرية ومصيرها.
الأمر ذاته ينطبق على الأعمال، فلا معنى للحديث عن أساليب وأدوات العمل عن بعد أو منصات التبادل الإلكتروني أو آليات الإنتاج الحديث القادرة على الاستمرار بكل الظروف، والشبكات اللوجستية الذكية، إذا لم يسبقه حديث عن نتاج هذا العمل وأبعاده وآثاره على المجتمع.
آن الآوان للتغيير الجوهري، إنه زمن التحولات النوعية وليس التكيف الشكلي مع إفرازات وظروف جديدة، وآن الأوان لندرك أن التجارب مهما اختلفت في خصوصياتها، وضعتها الأزمة في إطار واحد، بل حولتها إلى تجربة واحدة.

* رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب