يتمطى القرن الـ21 عنواناً للإرهاب

01:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

لماذا تلك الدهشة العالمية بعد إعلان الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن تأجيل انسحاب قواته من أفغانستان من دون شروط إلى 2021/9/11، بعدما كان حددها دونالد ترامب في 1 مايو/أيار المقبل2021، وقبله أوباما بنهاية 2014؟ لأنه أراد قرع الانتباه العالمي على الإرهاب بنسف البرجين (9/11/ 2001)، الحدث الذي يفترض بقاء صوره في الأذهان، وربطه بالأحداث العظمى. هناك اعتقاد أمريكي سائد بأنه ليس هناك من رقعة في الأرض لا تستطيع أمريكا وحلفاؤها من الوصول إليها، وكأن العظمة لازمة مقيمة في أذهان من يصعب عليهم فهم استراتيجيات الدول الكبرى وصناعاتها ومقتنياتها الضخمة، بدءاً من عرباتها وبراداتها وصولاً إلى أبراجها وطائراتها وحتى مصيبتها التي تفرض عظمتها بحجمها وتجذب الدنيا. لنفترض بأن العظمة قلادة الأحداث والتحالفات والصراعات في علاقات الدول الكبرى. وهنا ملاحظات:

1- أغضب التأجيل قادة «طالبان» فغردوا فوراً بعدم مشاركتهم في مؤتمر إسطنبول، رافضين أي قرارات ستُتّخذ بشأن أفغانستان. سبق وصعّدوا هجماتهم هناك فور توقيع أمريكا معهم اتفاقاً لوقف إطلاق النار (فبراير 2020). قيل في التأجيل إن أمريكا بايدن تلتزم شعار ترامب: «أمريكا أولاً»، لأنها بانسحابها من هناك بعد 20 سنة، لم تحقق أهدافها وتحالفها مع 40 دولة ودول «الناتو». الصورة الطاغية لا نصراً ولا هزيمة، بل عودة أفغانستان اليوم إلى أفغانستان 2001/10/7 تاريخ نشوب أطول حرب في تاريخ أمريكا مع قوات الحكومة الأفغانية وقوات «طالبان». هناك كمُّ ضخم من التحليلات تدفعني إلى التكهن بأن إعلان الانسحاب ليس نهاية الاحتلال، بل ربما هو الحرب المستمرة على «طالبان» وحلفائها الإرهابيين من بُعد، عبر القواعد الأمريكية بما قد يوقظ حروباً أهلية جديدة في بلدٍ عاش منذ السبعينات مراراتها. ينطوي الانسحاب بالطبع على استراتيجية مقاومة الإرهاب والتيقّن بأن التغيير عسير بواسطة القوة العسكرية فقط.

2- أفغانستان نقطة اتصال استراتيجية قديمة على طريق الحرير (المتجدد اليوم عبر الصين) بما يبقيها كما كانت منذ الإغريق حاجزاً وعراً في لعبة الأمم يربط آسيا من الجهات الثلاث بين الشرق والغرب والجنوب.

3- أضع خطين بالأحمر: الأول تحت 1979 تاريخ الغزو السوفيتي لأفغانستان والثاني تحت 2001 تاريخ الغزو الأمريكي لها. حصلت بينهما وستحصل أحداث قد تسمى القرن ال21 ب«قرن الإرهاب».

ماذا في العام 1978؟

 أ- راح الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الأصولي المسيحي، يغذي «طالبان» بالأسلحة والمقاومة عبر باكستان تنقلها بطائراتها لتعود محملةً بالممنوعات، إلى درجة قالت فيها باكستان إنها انتصرت في أفغانستان على أمريكا بمساعدة أمريكا. هكذا يمكننا كشف الأغطية السياسية عن لبّ العلاقات التي تبدو واضحة بين الدول العظمى وتعزيز الأصوليات الدينية.

ألم يكن لهذه العلاقات ظهور قوي خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما راح يبني جداراً مع المكسيك بحجة عزلها ومنع المهاجرين من التدفق عبر الحدود إلى بلاده، مع أن السبب الأبرز هو في تزعم المكسيك وكولومبيا عالمياً تلك الاستراتيجيات في أمور الفساد وتوليد أمراء الحروب؟

 ب- تجلت استراتيجية القضاء على الشيوعية والإلحاد «بمدافع لاهوتية» مع الأصولية المسيحية في أمريكا في نهاية ال 1978 إلى ذروة تشددها في مسائل العقيدة والأخلاق والإيمان بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس في العهدين القديم والجديد والقول بانتظارات العودة الثانية للمخلّص عبر تأسيس جيري فولويل انطلاقاً من واشنطن حزباً أصوليّاً قويّاً ساد في أمريكا باسم «الأغلبية الأخلاقية» وافتتح فروعاً له في كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية يضم مسيحيين ويهوداً وصل عدد المنتسبين إليه إلى 7 ملايين، ووصل جمهوره الذي يتلقى ويتابع أنشطته إلى 25 مليون أمريكي، إذ كان يرسل بالبريد أكثر من 100 مليون رسالة سنوياً من الرئيس الأمريكي وكل أعضاء الكونجرس وحكام الولايات و90 ألف رجل دين وكبار الصحفيين ومحطات الأخبار المسموعة والمرئية.

يتجاوز الانسحاب عنوانه لتعود أفغانستان إلى أفغانستان بانتظار مخاطر تتجدد في الشرق الأقصى عبر «طالبان» و«داعش» والمجموعات الإرهابية حفظاً على صبغ القرن بالإرهاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"