جد ولعب

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد *

قبل أيام أعلنت الصين عن قوانين صارمة تتعلق بعدد الساعات المسموح بها لألعاب الفيديو عبر الإنترنت لمن هم أقل عمراً من 18 سنة. وحسب القانون الجديد يبلغ الحد الأقصى 3 ساعات أسبوعياً خلال إجازة نهاية الأسبوع ومن الساعة 8 إلى 9 مساء فقط.. لماذا كل هذه الحماية؟ وما هي مبرراتها؟

لنبدأ بعدد سكان الصين وهم حوالي 1.5 مليار نسمة، 18٪ منهم دون سن 16 سنة أي 270 مليون نسمة، والقوانين الجديدة تؤكد مدى عزم الحكومة حسب وصفها على حماية قوتها العاملة المستقبلية ودفعها لتكون أكثر إنتاجية، وكذلك علاجها مما أسمته إحدى وسائل الإعلام الرسمية في الصين (الأفيون الروحي) spiritual Opium.

القوانين الصينية أتت بالتدريج، فقبل سنتين تم حظر اللعب من 10 مساء إلى 8 صباحاً وبحد أقصى 3 ساعات يومياً، ثم خفض عدد الساعات ليصل إلى 1.5 ساعة يومياً و3 ساعات في إجازة نهاية الأسبوع، وصولاً إلى القانون الجديد الذي يمنع اللعب خلال أيام الأسبوع بتاتاً، ويسمح بإجمالي 3 ساعات خلال إجازة نهاية الأسبوع.

بعد صدور القانون ألزمت كافة شركات الفيديو التي تنشط في السوق الصيني باستخدام أسماء المشتركين الحقيقية والتأكد من أعمارهم بعد أن يقوم المشتركون بالتسجيل حسب هوياتهم الرسمية، ولا يسمح لمن هم دون 18 سنة بأن يتجاوز إنفاقهم على ألعاب الفيديو 60 دولاراً شهرياً، أما الصغار فالحد الأعلى 30 دولاراً شهرياً.

ودعت الحكومة الصينية الأسر والمدارس وغيرهما من قطاعات المجتمع لتهيئة بيئة مثالية للنمو الصحي للقاصرين وهي مسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف التي تملك الوصاية على هذه الفئة العمرية.

حجم سوق ألعاب الفيديو في العالم بلغ 160 مليار دولار بنهاية 2020 وهو بذلك يعد أكبر من قطاعي صناعة الأفلام والموسيقى مجتمعين، ونمو مبيعات ألعاب الفيديو من المتوقع أن يصل إلى 270 مليار دولار بحلول 2025، أما اليوم فقرابة 40%من إجمالي المبيعات تتركز في شرق وجنوب شرق آسيا والهند، ومن ضمنها الصين التي بلغ حجم سوق ألعاب الفيديو عبر الانترنت فيها 40 مليار دولار.

الإدمان على العاب الفيديو ليس مشكلة صينية فقط، بل عالمية، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية هذا الإدمان بأنه «حالة صحية ونفسية ومسألة رئيسية تهدد الصحة العامة»، ونجد اليوم عيادات متخصصة لمعالجة من يتم تشخيصهم بأنهم مدمنو ألعاب فيديو.

وفي الولايات المتحدة يشير موقع كلية الطب في جامعة هارفارد إلى أن نصف الأمريكيين يمارسون ألعاب الفيديو و20%من اللاعبين دون 18 سنة، أضف إلى ذلك أن الرابطة الأمريكية لعلم النفس تؤكد أن الإدمان على هذه الألعاب يسبب الأرق والقلق والاكتئاب والانطواء والسلوك العدواني.

بالإضافة إلى الأمراض النفسية المذكورة، هناك بعض الأمراض الجسدية والفكرية تجعل الموضوع أكثر خطورة، فارتفاع نسبة البدانة بين الأطفال لقلة الحركة أثناء اللعب أمام الشاشات له عواقب وخيمة إن تُرك بلا علاج، أما التأثيرات الفكرية فهي تأتي كون بعض الألعاب تروج للأفكار المتشددة والمتطرفة، ويتعمد منتجو هذه الألعاب استخدام الرموز والأحداث التاريخية، التي تحمل في جوهرها فكراً يشجع على تكفير الغير ورفض الآخر لاختلاف معتقداته. ليس ذلك وحسب بل تدعو لوجوب محاربة الآخر المختلف تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله، وفي هذه البيئة يتم استدراج البعض بعد أن أعيد برمجة دماغه لينتقل بجهاده من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي، عندها يموت الأبرياء على يد من توهم أن جريمته ليست إلا طريقاً مختصراً إلى الجنة.

يبدو أن العالم يتفق على خطورة هذا الإدمان الجديد، ولكن تختلف سياسات الدول لمواجهته، فقد تشددت الصين في حين أن جارتها كوريا الجنوبية كانت لها رؤية مختلفة، فقد ألغت حكومتها مؤخراً قانوناً يحدد عدد الساعات لألعاب الفيديو للقاصرين، وتركت الأمر لأولياء الأمور، فهم من يحدد عدد الساعات التي يمضيها أبناؤهم أمام شاشات العاب الفيديو.

الترفيه هو جزء من التربية، وأن يمضي أولادنا بعض الوقت على ألعاب الفيديو فذلك شيء طبيعي لأن حياتهم في العالم الافتراضي حقيقة لا يمكن ولا يجب الهروب منها، والمشكلة أكبر من كون اللعب على الإنترنت مضيعة للوقت، لأن الآثار النفسية والجسدية والفكرية ستؤثر سلباً على سلوكيات وصحة جيل الأمل القادم وتجعلهم أقل قدرة على المنافسة في الدخول والنجاح في سوق العمل مستقبلًا.

يكفي أن ننظر إلى بيوتنا ومن حولنا لنشاهد هذه الظاهرة، علينا أن نقنعهم ونمنعهم أحياناً ليفهم أجيال الغد أن الحياة جد ولعب.

* دبلوماسي إماراتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"