من القلب

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

عندما قال أحدهم نحن لا نعرف كيف نحب، بل نعرف فقط كيف نفكر في الحب، أدركت أننا ما زلنا نجهل الحب إلى الآن، فهل يمكننا التفكير في الحب؟ وهل عدم التفكير في المحبوب، أو الشعور بالحب يعني أنه لا يحبنا، أو أننا لا نحبه؟ ولكن، هل هذا هو الحب حقاً، وهل يمكن أن يكون بهذا المعنى المادي، أم انه أسمى وأهم وأكثر من هذا بكثير؟

لنفهم الحب، علينا اصطفاؤه أولاً، وتخليصه من الكثير مما ألصق فيه، فالحب لا ينبغي أن يكون عاطفياً، أو يتعلق بمتعة من أي نوع، وليس غيرة، ولا رغبة، أو ارتباطاً بأي شكل، ولا علاقة ترتجي لفترة معينة، وليس زنزانة تجلد الروح كما تفعل المشاعر الهدامة والمؤلمة.

ويصعب وصف الحب لأنه أسمى من ذلك بكثير، ولأن من يحب شخصاً أو شيئاً، بجب أن يحبه كنفسه، محبة غير شخصية، لا تتشكل بحسب الخيال، ولا تصبح سامة، أو تتمحور في حدود التصورات والأشكال التي ترسمها العقول، ولأنه إن وصف، أو أمكن وصفه، فهذا ينفي عنه صفة الحب ويحوله إلى شعور آخر مختلف.

ولا يختلف حب الشعراء والأدباء والعلماء، أو الأدنى منهم في الثقافة أو العلم، ولا أي حب في الشرق أو في الغرب، لكنه يتميز بالقصة التي عاشها كل منهم، والطريقة التي خلد حبه فيها إلى الأبد.

وما وصلنا من قصص وحكايات، خيالية أو واقعية، من عشاق من مشاهير الشخصيات، وآخرين خلدتهم قصص الحب التي عاشوها في التراث العربي والغربي، يخبرنا الكثير عن أهمية الحب، وقدرته على منح أصحابه شهرة تفوق شهرة أبطال المنجزات الأخرى في العالم، وعبر التاريخ، ولكن، رغم ذلك، ليس هو الحب الذي يملأ الروح، ويغدق عليها من نعيمه.

فما من شك في أن قيس بن الملوح، وجميل بن معمر وغيرهما، ممن أبدعوا في قول الشعر، اشتهروا أكثر من غيرهم في وصف الحب كمشاعر تجاه محبوبة عاشوا معها قصة، وارتبطت بحوادث رفعت مستوى حبهم إلى معاناة خلدتها ليتناقلها العشاق عبر التاريخ، وتستعاد أكثر مما تستعاد غيرها من القصائد والحكايات في جميع المناسبات.

لكنه لم يكن الحب الحقيقي في حياتهم، لأنه لم ينقذهم، بل هبط بهم إلى هاوية معاناة، وعاشوا مأساة بدلاً من التمتع به.

وهكذا يمكننا تعريفه، فهو في كل ما يفعله الشخص المحب لمن يحبه، وهو الذي يحيا بلا تحيز، ولا يخلق حواجز، ولا يبني أسواراً، ولا يتشكل كحالة حرمان من القرب أو الشوق، ولا يعذب الناس ويقيد حريتهم، بل يملأ قلوبهم بالرضا، ويشغلهم بما ينفعهم.

المواطن الذي يحب وطنه سينشغل بكل ما يمكنه لأجل هذا الوطن، ومن أجل أمنه ورفعته وسلامته، والقائد الذي يحب شعبه سيظهر حبه في كل ما يفعله وما يقدمه لهم من رعاية وحماية وأمان، والإنسان الذي يحب عائلته سيضحي بكل ما يمكنه ليجعلهم سعداء آمنين مطمئنين، والمرأة التي تحب أبناءها ستفعل كل ما يمكنها من أجل سلامتهم ونجاحهم ورؤيتهم بأفضل حال.

ومن أصعب الأمور في حياة الإنسان والتي قد لا يدركها إلا متأخراً، أنه لم يعش لأنه لم يحب، ولكن، ليس الحب الذي ينحصر في علاقة بين اثنين، أو الذي ينتظر مقابلاً، بل هو الحب الذي يملأ قلبه تجاه العالم.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdf7xycr

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"