عادي
خلال جلسة «حالة العالم العربي سياسياً»

فوّاز جرجس: أزمات المنطقة تُرحّل إلى 2018

04:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
أكد الدكتور فوّاز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أن استشراف الحالة السياسية للعالم العربي في 2018، يتطلب فهم العلاقة الجدلية بين الجانبين المحلي والإقليمي والدولي، مشيراً إلى أن هنالك علاقة عضوية في العالم العربي سياسياً واستراتيجياً بين الداخل والخارج، حيث توقع ألا تشهد الأزمات في المنطقة العربية حلولاً ناجعة.
وقال جرجس، خلال جلسة «حالة العالم العربي سياسياً في 2018»: هناك ثلاث نقاط نظرية تسمح بإمكانية استشراف حالة العالم العربي سياسياً في العام المقبل، أولاً: تعاني بعض الدول العربية أزمات هيكلة بنيوية وحوكمة وفشل عملية التنمية، فضلاً عن أزمة السلطة التي شكلت أزمة ثقة مع المواطن، ما خلق فراغاً دستورياً وأمنياً في المنطقة، حيث حاولت بعض المجموعات والتنظيمات التكفيرية المسلحة، ملء هذا الفراغ. وثانياً: هناك خلل في منظومة العمل الجماعي العربي المشترك، الذي صنع فراغاً استراتيجياً، استغلته بعض الدول غير العربية، مثل إيران وتركيا و«إسرائيل» إلى درجة أكبر محاولةً ملأه. وثالثاً: الانكفاء الأمريكي في العقد الأخير خلق فراغاً دولياً تحاول القيادة الروسية استثماره بطريقة بارعة.
توقع جرجس، ألا تشهد الأزمات في المنطقة العربية حلولاً ناجعة، ويعني ذلك أن معظم الملفات سترحّل إلى العام المقبل، ما يعني أيضاً أن هنالك تغيرات طفيفة وليست استراتيجية في الساحة العربية بالمنطقة ويمكن البناء عليها في السنوات القادمة.
وتناول ستة ملفات رئيسية تؤثر في حالة العالم العربي سياسياً، وهي النزاعات في اليمن وسوريا والعراق، والملف الروسي الأمريكي، والفلسطيني «الإسرائيلي»، وخريطة الإرهاب.
وعن النزاعات قال جرجس: «لا أعتقد أننا سوف نشهد تغيراً في طبيعة النزاعات في العالم العربي، وستبقى كما هي، فالدول الإقليمية لن تدخل في صراعات مباشرة، ومن الأمثلة على ذلك، إيران التي لديها خيارات وآليات أقل كلفة بكثير من الدخول في صراعات مباشرة. كما أن «إسرائيل» تطور استراتيجية ردعية في الساحة اللبنانية والسورية، وتحاول تجنب الدخول في صراع مباشر. وقال: أخمّن أن حدوث عامل طارئ يمكن أن يدفعها إلى شن حرب على «حزب الله» في لبنان، تشمل الجبهتين السورية والعراقية، ويمكن أن تطال إيران في هذا الصراع. موضحاً أن نسبة حدوث هذه الصراعات هي 35% فقط.

الملف اليمني

يرى جرجس، أن الصراع اليمني دخل في مرحلة جديدة، يمكن أن تغير مجراه في السنتين القادمتين. لكن في عام 2018، يبدو المشهد اليمني سيشهد تصعيداً خطراً أكثر تفرقة وتجزئة، وأبعد ما يكون من الحل السياسي، وأن التغيرات التي ستحدث سياسياً وميدانياً في الساحة اليمنية، تحول النزاع السياسي الإيديولوجي إلى نزاع قبلي، يمكن أن يسبب حروباً قبلية يقودها الثأر والعصبية، فضلاً عن انخراط أكثر لإيران في النزاع اليمني، وسيكون الوضع في اليمن في العام المقبل، وضعاً متفجراً للغاية.

خريطة الإرهاب

وأوضح، أن تفكيك «دولة» أبو بكر البغدادي، لا تعني نهاية الإرهاب وسوف نشهد تغييراً في استراتيجيات التنظيمات التكفيرية المسلحة وخريطة الإرهاب، وسنشهد حرب عصابات وهجمات استراتيجية، محاولة لنشر عدم الاستقرار المنطقة وضرب عصب الاقتصاد.
وتابع: أعتقد أن خريطة الإرهاب في العام المقبل، ستكون في مثلث مهم جداً يتكون من مصر وليبيا والسودان، فالعام المقبل، سيكون مصيرياً لمصر، لأن الجماعات التكفيرية متجذرة في شمال سيناء، وسنرى إذا كانت مصر ستنجح في صياغة استراتيجية ميدانية عسكرية أكثر نجاحاً، والأهم من هذه الاستراتيجية العسكرية، تجفيف المنابع البشرية والتسليحية والتنظيمية للجماعات التكفيرية المسلحة، وبالفعل لا يبدو أن القيادة المصرية نجحت بدرجة كبيرة في القيام بهذا الأمر، ومن المؤكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، سينتخب مرة أخرى وسيواجه التحديات نفسها التي واجهها في السنوات الماضية.

الملف الروسي الأمريكي

وقال جرجس: «يبدو أن روسيا أصبحت رقماً صعباً في الساحة العربية والدولية، فهي اللاعب الأهم في الملف السوري، وتحدد قواعد اللعبة، ولا يبدو أن القيادة الأمريكية ستحاول في المبادرة لقيادة المنطقة العربية، وسيبقى الانكفاء الأمريكي كما هو عليه، إلى جانب التخبّط، ويبدو أن الرئيس الأمريكي يغرد خارج السرب بقيادته الاستراتيجية، وبالفعل يضر بركائز القوة الأمريكية الرخوة، ليس في المنطقة العربية فقط، لكن في العالم، وهذا هو الضرر الأهم الذي يقوم به الرئيس الجديد للسياسة الأمريكية، كما أن قرار اعتراف القدس عاصمة ل «إسرائيل» جزء لا يتجزأ من هذا التخبّط والانكفاء، ونرى أن هنالك فجوة بين الخطاب والفعل السياسي».

الملف السوري والإيراني

وأضاف: «لا أعتقد أننا سنشهد اختراقاً في الملف السوري، فهنالك مراوحة سياسية، فروسيا تحدد قواعد اللعبة، لاسيما أن هناك إجماعاً ضمنياً على أن الأسد سوف يبقى في السلطة للمرحلة المقبلة».
وقال جرجس: خلال العقدين الماضيين، استطاعت إيران التمدد إلى درجة كبيرة في المنطقة العربية، لإيجاد حواضن شعبية واجتماعية مهمة للغاية، وأصبحت رقماً صعباً في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهو صراع استراتيجي بامتياز، وخاصة أن إيران لا تريد أن تلعب دوراً بارزاً في الإقليم لكنها تريد الدور الأهم.
وأضاف، «علينا ألا نغفل قضية مهمة وهي إسقاط العراق من المعادلة الجيوستراتيجية وتمكين إيران في لعب هذا الدور». وأكد أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الدول العربية وإيران على ردم الفجوة بينهما، أن هناك خلافات عميقة جداً في الرؤية، فإيران ترى نفسها الدولة المحورية، ولديها مصالح في هذه الدول، ولن تتخلى عن نفوذها في المنطقة، فيما تعتقد دول عربية أن إيران تخترق المنظومة العربية، وهذه الفجوة بين الرؤيتين خلقت النزاعات الحالية».
وأوضح، «في 2018، على الرغم من حدة النزاع بين إيران والدول العربية، فإن هنالك ضوابط استراتيجية، فلا إيران ولا الدول العربية تريد الدخول في صراع مباشر».

الملف العراقي

وقال: يبدو أن العراق متجه في العام المقبل إلى استقرار نسبي خاصة مع دحر «داعش». لكن لن تستطع الحكومة العراقية التعامل مع الأزمات السياسية والاجتماعية والإيديولوجية، كما أن عليها إعادة هيكلة الدولة العراقية وصياغتها على أسس جامعة وليس على أسس فئوية.

الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»

وقال جرجس: «من غير المرشح أن نشهد أي تغيرات جذرية في الملف الفلسطيني «الإسرائيلي» فالقيادة «الإسرائيلية»، تحاول تغيير قواعد اللعبة ولم تعد «إسرائيل» تقبل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وخاصة أنها تتلقى دعماً من النخبة من اليمين المتشدد في الولايات المتحدة».
وأضاف، أن الرئيس الأمريكي والقيادة الجديدة، يملكان رؤية معينة، لكن هنالك خلافات فيها، فقرار اعتراف ترامب بالقدس عاصمة ل «إسرائيل»، أسقط كل العناوين الاستراتيجية التي أطلقها منذ دخوله البيت الأبيض، فهذا القرار يفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية، ويضر بالمصلحة الأمريكية، وعارضته معظم القيادات الأمريكية، مثل وزارتي الخارجية والدفاع.
ولفت إلى أن الرؤساء الأمريكيين السابقين، لم يتخذوا قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً ل«إسرائيل»، لأن ذلك يعني نهاية حل الدولتين. وقال: «إذا قرأنا بعناية ما قاله الرئيس ترامب، فمن الواضح أنه لا يخشى ردود الفعل السلبية، ومن الواضح أنه لم يأخذ في الحسبان، تداعيات هذا القرار، ولا التهديدات المحتملة على السلم الأمريكي؛ ولذلك هل يمتلك ترامب الرؤية الاستراتيجية أكثر من نظرائه؟ والواقع يقول، إنه ليس هنالك سلام ما لم تكن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين».

الأزمة الخليجية

أكد الدكتور فوّاز جرجس أننا لن نشهد اختراقاً في ملف الأزمة مع قطر، وخاصة أن كل الأطراف غير مستعدة لتقديم تنازلات خلال العام المقبل، فالقيادة القطرية مستمرة في التحدي، فهي تعتمد على تركيا وإيران لمحاولة التعاون، كما أن استراتيجية قطر أصبحت واضحة، فهي تعتمد على الاستثمار في الدبلوماسية وبالصفقات العسكرية والمالية مع الدول الغريبة.
وتساءل جرجس: «منذ بداية الأزمة الخليجية، كان سؤالي: هل تريد قطر أن تخرج من حاضنتها الاجتماعية والثقافية؟ وتبدو أنها قررت المضي والاعتماد على قوى غير عربية وقوى غربية». وأضاف: هنالك استراتيجية قطرية واضحة للغاية.
وذكر «يبدو أن هنالك فرصة ضئيلة في الانفراج في الأزمة القطرية عام 2018، بين 30% و40%».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"