كلكم راع

04:04 صباحا
قراءة دقيقتين
خالد الكمده

في استطلاع سريع لأكثر الأسر انفتاحاً وتقدماً، حول أساليب التربية، ودور الآباء في حماية ورقابة الأبناء، يتبين لك أن كل شيء بخير، كل الأمور على ما يرام، جميعهم يطبقون أحدث الصيحات العالمية وأبناؤهم ينافسون أبناء المشاهير، في الملابس والمدارس.. «يقضي ابني وقته في المذاكرة ثم يذهب إلى فراشه في وقت مبكر، ولا يخرج مع صحبه إلا لساعات محدودة ويكون في المنزل حتماً قبل أن يصل أبوه...»، جميل هو كلام هذه الأم، ولكن الفحوى ليس كما العنوان.
يذهب ابنها إلى فراشه في وقت مبكر، ويستمر في متابعة محتوى فاسد على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى ينفذ شحن هاتفه، يقضي وقته في الدراسة والبحث... لا بل في طلب أحدث صيحات المنحرفين ومتابعة المارقين...، لا يخرج مع صحبه إلا لساعات... تكفيه صدمتها التي ترتطم كزلزال ببراءة فطرته، حتى إنه لن يطلب مزيداً منها في وقت قريب...
أمام كل شاب أو فتاة، فاقد للهوية، مضطرب نفسياً وثقافياً... وجنسياً، هناك أم وأب غفلا عن اضطرابه، تركا الباب مشرعاً لهجمات ثقافية لا تشبهنا، ولحرية مزيفة قد تأسرنا في قعر متعفن.
مؤسف أن ترى أماً مثقفة، متعلمة وعاملة، وأباً مبجلاً يضحكان ويسخران أو لا يأبهان لقصص يرويها أبناؤهما عن ثلة رديئة من المشاهير ، أو بالأحرى من اشتهروا لرداءتهم، ويتركانه ليتابع أنماط حياتهم، وتفاصيلهم اليومية، ويعيش معهم ويتعايش، ملابسهم، مطاعمهم، مشاعرهم... حتى يقعوا في عقله اللاوعي موقع القدوة، فيصبح يوماً بعد يوم، مبرراً لانحرافهم، مدافعاً عن مجونهم، ومتحدثاً بتحدياتهم التي قد تبدأ بإدمان ولا تنتهي بعلاقة مشبوهة أو اعتراف بشذوذ.
ومخيف أن يغض الوالدان أو من قام مقامها، الطرف استهتاراً أو استسلاماً عن متابعة الأبناء، وحمايتهم من تقليد نماذج بشرية مشوشة، يفترض بها أن تعزل وتعالج لا أن تؤيد وتتبع، غريب أن يتخلى من حُمِّلوا مسؤولية التربية والتوجيه، عن مسؤولياتهم بدعوى الحرية والتقدم والانفتاح، ويتهاونوا في حماية براعم غضة، من أعاصير سامة، لا يسلم من تصيبه وإن أغمض عينيه عنها أو التفت، أن يتركوا للأبناء تربية أنفسهم، فلا توجيه ولا مصارحة ولا احتواء، لا تصحيح للمفاهيم ولا تصويب للأفكار، لا زرع للقيم ولا تقييم لما يُقرأ أو يشاهد، وقبل كل ذلك، مجافاة للهوية بتعاليمها وأعرافها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"