عادي
وجوه من الإمارات

جمال الشحي: بحثت عن الناشر وعندما وجدته ضاع الكاتب

03:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

يعد الأديب والناشر جمال الشحي من أميز الأدباء الذين اشتغلوا على ذواتهم بالتثقيف والاطّلاع المستمر والمعرفة الأكاديمية، ولأنه قد تعلق قلبه بالكتابة الإبداعية؛ فقد ولج عوالمها الجميلة، وسار في دروبها حتى أصبح من الكتّاب الذين يشار إليهم ببنان التقدير والثناء، وموهبة الكتابة عند الشحي قد برزت باكراً منذ عهد الصبا الأول في الشارقة التي شكلت وجدانه ومزاجه الإبداعي في فترة الثمانينات من القرن الماضي، و مازالت ذاكرته مملوءة بالتفاصيل عن الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت، حيث الأزقة والفرجان وحياة لم يتح لها الكثير من سبل اللهو وتزجية الوقت كما هو الحال اليوم، فكانت القراءة هي الملاذ، وقد أحب الاطّلاع وشغف به، ويقول الشحي عن القراءة: «هي السحر والفعل الذي يجعل الإنسان يشعر بأهمية التعليم والمعرفة والإبداع والحياة، ويحفزه إلى تغير نفسه نحو الأفضل»، وأثناء مرحلة دراسته الإعدادية، ذهب مع أصدقائه إلى إحدى دورات معرض الشارقة الدولي للكتاب، واشترى كتاباً، فكان أن شكل معرض الكتاب منعطفاً كبيراً في حياته الثقافية وشكل بدايات حبه للقراءة، ويشبّه الشحي القراءة بحساب التوفير، فهي الرصيد الذي يكبر كلما أضفت إليه، فتكبر معه المعارف، وكان كاتبنا مولعاً بالمفردات الأنيقة واللغة الرفيعة، وهذا ما انعكس على أسلوبه فيما بعد في مجال الكتابة.
في الفريج «الحي القديم»، كان الشحي يشتري كتب الأطفال، وهي تجربة فريدة وصعبة، فكان إنتاجه كبيراً في هذا المجال وألف العديد من الكتب منها: «القطة الحكيمة»، و«القط المشاكس»، و«عيال زايد»، ولكن التجربة الأكثر ثراء في هذا المجال هي سلسلتي «يوميات مشاغب»، و«يوميات مشاغبة»، وقد شاركه في التأليف محمد خميس، فكانت من أعلى الكتب مبيعاً في الإمارات، وترجمت إلى اللغة الصينية، ويصفها الشحي بالتجربة الجميلة النضرة، ووجدت السلسلة صدىً وترحيباً في جمهورية الصين، فقد نظمت دار النشر الصينية التي ترجمت العمل، جولة ترويجية في ست مدارس مختلفة بمدينة «جينان»، ومكتبة عامة في مدينة «شنغهاي» وقال «لقد كنت في غاية السعادة بهذا الإنجاز الإماراتي الذي يعزز الحوار بين الثقافات، ويمد جسور التواصل بين الحضارتين العربية والصينية».ويقول عن أدب الكتابة للأطفال: «ما يميز الكتابة للأطفال أنها تجعل المشروع الكتابي الإبداعي ينضج على مهل»، وهذا ما ينطبق أيضا على أعماله الروائية التي قوبلت بحفاوة من قبل النقاد والجمهور، خاصة مولوده الأول «أنا والعم سام»، التي صدرت عام 2016، وتعتبر من أدب السيرة والمذكرات والمشاهدات، وجمعها من رحلات عدة، خاصة أمريكا حيث أكمل الشحي دراسته هناك، وعالج الكاتب تلك اليوميات بأسلوب سردي بديع، وقد استغرق تأليفها خمسة أعوام، ولقد ظلت هذه الفكرة تشغل بال الشحي كثيراً فهو لا يؤمن بالكتابة لمجرد الكتابة، بل لابد من وجود هدف ومعنى يصل إلى القارئ، موضحا أنه وجد صعوبة كبيرة في الخروج من أجواء تلك الرواية من أجل الانصراف إلى عمل آخر، وذلك ما يسميه ب«غواية الرواية»، فالمنجز الروائي يأسر كاتبه فترة من الزمن، حيث يظل يعيش في مخيلته إلى أن يقوم بكتابة عمل جديد، وقد جاء عمله الثاني أكثر نضجاً وإحكاماً، وهو رواية «من مفكرة غاسل الموتى»، وهي تجربة متفردة وتكشف عن عمق ثقافة الكاتب، فالسرد يأخذ القارئ إلى عوالم فلسفية وروحانية عميقة ومميزة، وقد وجدت صدىً كبيراً من قبل النقاد والجمهور.

وإلى جانب الكتابة الإبداعية، فقد برع الشحي

أيضاً في ممارسة فن المقالة الصحفية، التي يمارسها بذات الأسلوب الروائي، فهو من نوعية الكتّاب الذين يجيدون الوصف وتصوير المشاهد ورصد التفاصيل الصغيرة، لذلك فإن زاويته الصحفية لا تغرق في اليومي والمستهلك، بل تحلق في فضاءات من الحكمة والمواضيع الفكرية، الأمر الذي يجعل المادة الصحفية عند الشحي صالحة للقراءة في أي وقت.
اتجه الشحي نحو عالم النشر؛ فأسس «كتاب» للنشر والتوزيع عام 2010، ويعمل من خلال هذه التجربة على فتح الفرص للكتابات الواعدة خاصة في مجال الكتابة الإبداعية، فهو يحمل فلسفة مختلفة فيما يتعلق بالنشر؛ ويرى أنه يجب أن يكون متاحاً للجميع، فأي نص يحمل قيمة فنية فهو صالح لأن يكون في متناول يد القراء، فالنشر يجب ألا يكون نخبوياً، فالكتّاب الكبار لم يولدوا كباراً، ولكن التشجيع هو الذي صنع منهم نجوماً، وبعض النقاد الذين يرمون سهامهم في جميع الاتجاهات، ليست لديهم معرفة بعالم النشر.
وقال الشحي «يشهد عالم النشر صعوداً مستمراً في الإمارات، ففي السابق لم يكن للقطاع الخاص مساهمة في هذا المجال، واليوم يستطيع الكاتب أن يجد الناشر في نفس مدينته التي يقطن فيها، لأن حركة النشر صارت قوية.
ويجد الشحي صعوبة في الجمع بين النشر والكتابة، فهو لم يستطع أن يعود إلى الكتابة بعد تأسيسه ل«كتاب»، إلاّ بعد خمسة أعوام من بداية التجربة، ويقول الشحي عن تجربته مع النشر: «كنت أبحث عن ناشر لكتاباتي، وعندما وجدته ضاع مني الكاتب، واليوم أبحث عن الكتابة مرة أخرى».

إضاءة

جمال الشحي هو مؤلف وناشر إماراتي، مؤسس دار كتّاب للنشر ومديرها العام، افتتح، في مارس 2013، مقهى كتّاب في دبي، وهو مكتبة ومقهى في آن واحد، وله فرع في سوق قرية البري في أبوظبي، والشحي حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية والماجستير من الولايات المتحدة، له مؤلفات روائية ومجموعة قصصية للأطفال، وهو كاتب عمود في صحيفتي الاتحاد وجلف نيوز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"