شعراء مسرحيون

03:48 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبولوز

يُعرّف ممارسو أبي الفنون، من منظّرين ومخرجين وكتّاب، المسرح الشعري على أنه المسرح المكتوب شعراً موزوناً، أو شعراً خارج الوزن.. المهم أن يكون النص المسرحي قائماً على قواعد الشعر، وهو تعريف ناقص، أو، على الأقل تجاوزه فن المسرح نفسه، ومن وجهة نظر خاصّة واجتهادية، فإن شعرية المسرح، ونضع أكثر من خط تحت عبارة «شعرية المسرح» هي التي تعطيه هويته الفنية بوصفه مسرحاً شعرياً.

«الشعرية»، وليس الوزن الشعري، هي الأهمّ في المسرح الشعري، وفي ضوء ذلك، يحق أن نتساءل مثلاً.. أين هي القيمة الفنية لمسرحيات أحمد شوقي على سبيل المثال:.. «مصرع كليوبترا» التي كتبها في العام 1927، ومسرحية «مجنون ليلى» -1931-، ومسرحية «عنترة»، ومسرحية «قمبيز»، ومسرحية «الست هدى».. وكلّها قامت على بناء شعري عمودي اعتمد كما هو معروف الوزن والقافية.

في تجربة أحمد شوقي المسرحية، نبحث عن «الشعرية» لا «الشاعرية»، فقد نشاهد عرضاً مسرحياً شعرياً بامتياز مع أنه اعتمد لغة النثر أو لغة الحكاية أو لغة الحوار المشبّع بالصور والبلاغة المسرحية الصّافية، من دون حاجة إلى الوزن والقافية.

كل هذا لا يعني أن الشعر العمودي أو الخليلي الموزون لا يصلح للمسرح، بل على العكس من ذلك، قد نشاهد عرضاً قائماً على شعر مقفّى موزون. ويحمل روحاً شعرية، فالأساس هنا في التعريف بالمسرح الشعري هو «شعريته» لا «شاعريته» الكلاسيكية الجافّة.

نعم، المسرح أساسه الشعر منذ خشبات أثينا والإغريق، لكنه بعد ذلك بكثير من الزمن تحرّر ممّا يمكن أن يطلق عليه «سلطة الشعر» ليشكّل «سلطته» الخاصة.. السلطة الجمالية المشبّعة بكل ما هو إنساني ونبيل.

ولا تقتصر «الغربة» بين الشعر الكلاسيكي والمسرح، فالشعراء الذين كتبوا مسرحاً قائماً على شعر التفعيلة مثلاً، هم الآخرون لم يسجّلوا ما يمكن أن يُسمى ظاهرة شعرية مسرحية.

أحمد شوقي ظل في الذاكرة الأدبية العربية أحمد شوقي الشاعر، وليس المسرحي. وصلاح عبد الصبور الذي كتب خمس مسرحيات: مأساة الحلّاج، مسافر ليل، الأميرة تنتظر، ليلى والمجنون، بعد أن يموت الملك، ظل صلاح عبد الصبور الشاعر لا المسرحي مع أن نصفه شاعر «6 مجموعات شعرية»، ونصفه مسرحي «5

مسرحيات».

كتب محمد الفيتوري ثلاث مسرحيات: سولارا، يوسف بن تاشفين، الشعر واللعبة، ولكن الفيتوري بقي شاعر إفريقيا بشكل خاص، ومجموعته الشعرية «ابتسمي حتى تمر الخيل» -1975-.. أثقل من مسرحياته الثلاث. والشاعر الفلسطيني الراحل عبد اللطيف عقل أنجز خمس مسرحيات ربما أشهرها مسرحيته «البلاد طلبت أهلها»، ولكنه في الذاكرة الثقافية الفلسطينية عبد اللطيف عقل الشاعر.

عبد الوهاب البياتي كتب مسرحية واحدة «محاكمة في نيسابور»، وعبد الرزاق عبد الواحد كتب هو الآخر مسرحية واحدة «الحرّ الرياحي»، ولكنهما شعرياً أقوى حضوراً من هاتين التجربتين المسرحيتين العابرتين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"